الطريق
الجمعة 19 أبريل 2024 04:47 مـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

عندما أمر حبيب العادلي بحبسي في رمضان

محمد عبد الجليل
محمد عبد الجليل

اعتاد الزميل الراحل سعيد عبد الخالق، رئيس تحرير مجلة الشرطة، أن يعقد اجتماعا لمجلس تحرير المجلة يوم الأحد من كل أسبوع، لمناقشة الأفكار ومراجعة خطة الموضوعات المرشحة للنشر.. وتصادف أن هذا الاجتماع كان في أول أسبوع من شهر رمضان.

وبينما كنا نناقش الموضوعات والأفكار المقرر نشرها في العدد الجديد، دخل ضابط إلى مكتب رئيس التحرير، وأعطى ورقة للأستاذ سعيد عبد الخالق، وبمجرد أن قرأ ما فيها، امتقع لون وجهه، وبدا عليه الاضطراب والانفعال الشديد، ثم وضع الورقة أمامه وحدق النظر ناحيتي لمدة ثوان، ثم خلع نظارته الطبية، ولبس نظارة القراءة وعاود التدقيق جيدًا في الورقة مرة أخرى والدهشة ترتسم على ملامحه، ولا أخفي عليكم أن التوتر تسلل إلى رأسي أنا الآخر وكل الزملاء الذين تركوا مناقشتهم الجانبية وانتبهوا لمراقبة ملامح وجه الأستاذ سعيد، وكان السؤال الذي يشغل بالهم ما الذي جاءت به هذه الورقة جعل الأستاذ متوترا إلى هذا الحد؟!

ثم نظر إلينا نظرات حادة ولوَّح بالورقة في يده وقال: "هذا قرار من السيد حبيب العادلي وزير الداخلية بالتحفظ على محمد عبد الجليل وحبسه 4 أيام في السجون".

لم استوعب في بداية الأمر ما يقوله رئيس التحرير، خاصة أنه كان يوجه نظره إلى جميع الزملاء ممن كانوا على طاولة الاجتماع، ووجدتني أقول له بانفعال: محمد عبد الجليل مين؟ فقال: "أنت"!

خيم صمت مريب على كل أركان المكان، كأنك "شيلت الفيشة" عن كل الموجودين، حتى الأنفاس احتبست في الصدور، ولا أخفي عليكم دهشتي التي تصاعدت إلى توتر دفع زميلي الذي يجلس بجواري إلى أن يمدَّ إليَّ يده بكوب من الماء، وكانت الأسئلة تعصف في ذهني "ما الأمر الذي جعل الوزير يأمر بحبسي؟ ولماذا لم يأتي قرار الحبس من النيابة؟ وعندما لم أجد إجابة شافية على أسئلتي، نظرت إلى الأستاذ سعيد الذى كان حادًّا في كلامه، وقلت لعل وعسى أن يبتسم، لكنه لم يفعل، فقلت "حضرتك بتقول سجون مصر، يعني مش سجن واحد"، وفي تلك اللحظة أدركت أن رئيس التحرير نصب لي "مقلب" وبرع في إجادة تمثيله بحدته وصرامته، ونجح في خطف المشهد كعادته.

وبمقتضى عملي بمجلة الشرطة، قضيت 4 أيام في سجون مصر لكتابة تحقيق مصور، وكان معي في ذاك الوقت صديق العمر، صلاح محمود، والذي كان يعمل مصورا في المجلة، وتوجهنا إلى السجون لنرصد الجديد في ذلك العالم الواسع، ونقف على تطوير العنابر والخدمات الجديدة، لكن هناك بالطبع فرقا بين أن ترى السجن عابرا، وأن تعيش الإحساس داخله، وكانت البداية بسجن النساء بالقناطر الخيرية، ثم اتجهنا إلى سجون برج العرب، وليمان 430، والقطا، وأبو زعبل، ودمنهور.

وبعد أن أنهيت الجولة وكتبت الموضوع، وضع الاستاذ سعيد عبد الخالق عنوانا بديعا أعجبني جدًا "بأمر رئيس التحرير حبس محمد عبد الجليل 4 أيام في سجون مصر على ذمة هذه اللقاءات".