الطريق
الأربعاء 24 أبريل 2024 05:34 مـ 15 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

مقال| المحاولة رقم 34 للنجاة!

الكاتبة هند قاسم
الكاتبة هند قاسم

أهلًا بي في عامي الرابع والثلاثين، المحاولة رقم 34 للنجاة.

النجاة من نفسي أولًا، قبل المخاطر المحيطة والمصائب المتربصة.

لحظات كثيرة أوشكت على الوصول إلى نقطة اللا عودة، لكن دائمًا تدفعني الظروف دفعًا للعودة من المسارات الخلفية للحياة، حتى وقت ولادتي، كنت أوشك على عدم القدوم إلى هذا العالم. أخبرتني أمي أن ولادتي كانت متعسرة، إذ غابت طبيبتها بشكل مفاجئ، ولم يكن ثمة طبيبة بديلة، وبعد فحص الطبيب الذي أتى بعد ممانعات كثيرة، أخبرها أني متشبثة بالحياة بأعجوبة وبشكل غير مفهوم، مع أن ماء الرحم قد جفّ، وكل أسباب الحياة قد تلاشت من حولي، لكن يبدو أن عادتي في العند والمقاومة كانت قد بدأت حينها في ظلام ذلك الرحم، مبكرًا جدًا مع أولى نبضات قلبي، الذي أصبح مريضًا في ما بعد عندما قررت أنا ارتكاب جريمة الإنجاب.

طوال حياتي، كنت أقترف الحياة بكل إصرار وشغف، أحاول الوصول إلى الحد الأقصى من كل شيء؛ الحب، العطاء، الإخلاص، ولأن هذا العالم بائس بطبعه، وكما يقول تولستوي "شجرة الألم أوفر ظلًا من شجرة السعادة"، كان للحزن والألم النصيب الأكبر من تفاعلي الإنساني، كنت أعيش مآسي الآخرين وكأنها خرابي الخاص، أستمع 6 ساعات متواصلة لمشكلة عقيمة لا تخصني في شيء، وإنما لأن صديقة لي تتألم، فأقرر مشاركتها المعاناة.

كانت مأساتي الحقيقية منذ وعيت على الدنيا، مأساةً وجودية، ولقلة مشكلاتي الواقعية، كنت أعيش مشكلات الآخرين وأسعى إلى حلّها.

أما الآن، فإن الواقع يصفعني كل يوم بمشكلات لا حصر لها، وقد أصبحت الحياة صراعًا شرسًا لتحقيق نتائج تافهة وصغيرة، مثلا مجرد تمضية الأيام بأقل خسائر ممكنة، فعندما تكون الخسارة حتمية، يصبح الهدف تلقائيًا تقليل الخسارة لا تجنبها.

في محاولاتي للنجاة، حاولت تعلم كثير من الأشياء؛ النحت والرسم والرقص وحتى الكروشيه والحرف اليدوية، أفلحت أحيانًا ومللت أحيانًا أخرى، كنت دائمًا أطارد شعور الرضا والاستقرار لأنني سريعة الملل والتقلب من حال لحال، ذهبت لعديد من الأطباء ليشخِّصوا مزاجيتي المتقلبة، مشاعري غير المفهومة، فأضفت إلى قاموسي متلازمة ثنائي القطب، إذًا هذا اسم مرضي الذي لم أستطع يومًا الالتزام بخطة علاجية له، مع أنهم يمدحون الطبيب، وهو يبدو واثقًا من نفسه، لكني كنت عاجزة تمامًا عن الاستمرار في شيء واحد لزمن طويل، أو لنقل للوقت المطلوب.

أشياء كثيرة فعلتها من أجل أن يستمر شعور واحد بأكثر مما تفعل الريح مع الأمواج، التي كانت ترفعني عاليًا لأقصى نقطة ثم ترميني للأسفل في تكرار طعمه الغرق.

ها أنا أحاول من جديد، البحر هادئ هذه الأيام، لكني أرى إعصارًا قادمًا من بعيد، وأحاول الاستعداد له جيدًا.

للتواصل مع الكاتبة