الطريق
الخميس 25 أبريل 2024 06:58 مـ 16 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

قصة قصيرة| لتشفى منه تمامًا!

الكاتبة سارة إسماعيل
الكاتبة سارة إسماعيل

على أحد مقاعد الانتظار في محطة القاهرة، جلست لبنى تنتظر قطار الإسكندرية. فتحت حقيبتها وأخرجت رواية لتقرأها. بعد قليل لفت انتباهها صوت عالٍ ممزوج بالدموع، كانت صاحبته تجلس في مقعد خلفها، فتاة تبدو في منتصف العشرينيات، إلى جوارها أخرى تتحدث إليها.

أدارت لبنى وجهها بسرعة حتى لا تُخجل الفتاة، وادّعت أنها تقرأ، لكن أذنيها كانتا تتابعانها تعاطفًا، فلبنى تعرف جيدًا ذلك الصوت، وثورة هذه السن، فكأنها ترى نفسها حين كانت في عمرها!

سمعت الفتاة تقول:

"اسمها لبنى حليم، ناداني بـ"لبنى" أكثر من مرة، وفتحت جهازه أمس أمس فوجدت صورها عليه، ما زال يتابعها، ما زال يفتقدها، عندما قارنت نفسي بها وجدتني نسخة مشوهة منها، نفس لون الشعر وقًصّته، نفس طريقة اللبس، لقد حوَّلني لنسخة باهتة منها دون أن أدري، بل لعله اختارني منذ البداية لأني أُشبهها، هي مصممة أزياء من الإسكندرية، وأنا رسامة من الإسكندرية، عمري تقريبًا نفس عمرها حين كانت معه!"

شعرت لبني بالدهشة مما تسمع، لم تكن تعرف أن الدنيا صغيرة إلى هذا الحد، وأن المصادفة يمكن أن تكون بمثل هذه القسوة!

عاجت الفتاة تقول:

"إنه يحب اسكندرية لأجلها لا لأجلي، يحب الرسم لأنه يذكّره بها، أوهمني أن ذوقي رائع في اختيار الملابس، ويجب عليّ احتراف تصميم الأزياء، وبحث لي عن أماكن تعطي كورسات في التصميم! كم كنت ساذجة وموهومة بأنه الرجل المثالي المهتم بنجاحي!"

ثم تصاعد صوت بكائها أكثر، وهي تهتف بصوت هامس:

"أريد أن أقابلها لأخبرها بمدى كرهي لها، أكره اسمها الذي ناداني به، أكره شعري وملابسي، أريد أن اسألها ماذا فعلتْ لتستقر هكذا في أعماق قلبه، يدخل بشر ويرحلون، وتمر السنون وهي لا تتحرك من مكانها، ولا هو يريد أن يحرِّكها، كيف تترك رجلًا يحبها كل هذا الحب؟!"

كانت لبنى تستمع وهي مذهولة، تود أن تدير رأسها وتخبرها أنها هنا، ويمكنها إجابة كل هذه الأسئلة، تريد أن تخبرها أنه لم يحبها هي الأخرى، ولا يتابعها حنينًا لها، إنما يريد فقط أن يرى أن حياتها قد توقفت من بعده، ليرضي غروره، تريد أن تخبرها أنه لم يجعلها نسخة منها حبًا فيها لكن ثأرًا لكرامته، فهو يريد أن يصنع نسخة جديدة منها ليتحكم فيها، وربما يتركها كما تركته أنا.

كانت تريد فعل كثير من الأشياء، لكنها لم تقو إلى على القيام من مكانها، وإلقاء نظرة أخيرة مشفقة على الفتاة، قبل أن تغادر المحطة بأكملها، لكنها غادرت وهي خفيفة وممتنة لرسالة القدر الأخيرة التي نزعت من قلبها آخر شعور باهت تجاهه، لتشفى تمامًا منه.

للتواصل مع الكاتبة