الطريق
الجمعة 26 أبريل 2024 02:02 صـ 16 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

مقال| ما لم أبحث عنه في دبي!

الكاتب رامي حمدي
الكاتب رامي حمدي

ينظر لي من خلف نظارته ذات الإطار الأسود، والشامة التي تميز وجهه على الجانب الأيسر وهو يستند على عصاه الشهيرة ويمسك بجريدة تحت إبطه. يبدو حزينًا أو هكذا شعرت. قال لي ببطء إنه لا يشعر بالفخر لحملنا نفس الجنسية. اتهمني بأنني لا أقدر فنه وكتاباته، وأنني جعلته يخسر فرصة أن يزين اسمه ريفيو على أندية القراء في القارة التى تشعر بالوحدة في طرف العالم. قلت له إنه بالفعل مشهور ومحل تقدير وإن الكل يعرفه منذ نال جائزة نوبل للآداب. لكنه أشاح بوجهه عني ثم مضى بظهره المنحني قليلًا في صمت.

كل هذا بدأته رسالة استقبلها بريدي الإلكتروني من أستراليا، قبل نومي مباشرة. قالت لي إن زوجها قادم إلى مصر قريبًا، وتريد منى أن أهتم به وأجعله يتذوق شيئًا من الثقافة المصرية كما فعلت معها في دبي. ثم توقيع باسم "ليزا" بعد تمنياتها لي بأن أظل سعيدًا.

جعلتني هذه الرسالة أستعيد ذكرى لقائي بها في أحد الفنادق بدبي قبل جائحة الكورونا، كنت قد أنهيت تمريني وقررت الاسترخاء قليلًا أمام حمام السباحة المزدحم. فكان حظي بجوارها وهي ممدة باسترخاء تطالع كتابًا جعلني أحاول فتح أي موضوع معها لمعرفة الكتاب الذي تقرأه. قررت أن أستجمع ما أملكه من جرأة ثم سألتها بلطف عن اسم الكتاب. كانت تقرأ رواية "عدّاء الطائرة الورقية" للكاتب الأفغاني خالد الحسيني باللغة الإنجليزية. عرفت بعدها أنها تدرس الثقافات الأخرى لطلبتها في المدرسة بحكم تخصصها، وأنها بدأت حديثًا التعرف إلى أدب هذا الجانب من العالم.

بدأ حديثنا يأخد منحنى آخر لمدة يومين -قبل أن تعود- حين علمت أنني كاتب. أهدتني النسخة التي تقرأها. وفهمت منها أنها لا تعرف أي شيء عن الثقافة والأدب المصري غير أبي الهول والأهرامات وثورة يناير، انطلقت للحديث بحماس عن أننا لسنا بلاد فراعنة وحسب، ولكننا كمصريين وعرب نملك ذخائر من الأدب القيم الذي اعترف بجماله العالم. أريتها جزءًا من ثقافتنا، ولكنني الآن أفهم سر هذا الحلم. لماذا لم أفكر في إهدائها أحد كتب محفوظ المترجمة!

روايات مترجمة

*****

اتصلت بأحد أصدقائي وطلبت منه أن يذهب بنفسه لواحدة من أشهر مكتبات دبي الموجودة قرب برج خليفة ليجيبني عن سؤال ظل يقفز في عقلي. هل هناك كتب مترجمة يمكن أن تفتح لنا منفذًا معرفيًا للأجانب المقيمين في الدول العربية؟

خلال انتظاري إجابته بدأت التعمق في ملف الترجمات. اكتشفت خلال بحثي أن هناك عدة أسباب مختلفة لاصطفاء رواية ما. قد يكون السبب الأول أوقعها، وهو الجوائز العالمية والتي تضمن معظمها ترجمة العمل الفائز إلى لغات عدة على رأسها الإنجليزية.

بينما السبب الثاني تأثير الرواية نفسها من ناحية مناقشتها لقيم تتماس مع الإنسان -باختلاف مكانه- وانتشارها الواسع في الداخل. وهو ما كان يتلقفه المترجمون المقيمون في بلداننا العربية بكثرة وبالتحديد مصر ولبنان التي كانت تتصدر مشهد ترجمة الروايات من العربية للإنجليزية والعكس..

في بعض الدول الأخرى يُترجم بعض الكتب من باب البروباجندا وهذه الترجمات لا تستمر طويلًا ولا تترك أثرًا إنسانيًا -في بعض الأحيان- كما حدث مثلًا في العراق مع رواية شهداء بلا كفن للكاتب عزيز العبيدي والتي جرى الاهتمام بها بقرار رئاسي في العام 2000 وترجمتها للفارسية لمجرد أن الكاتب كان أسيرًا في إيران مع اتفاق غير معلن بين الكتاب العراقيين وقتها أنه كاتب ضئيل المستوى.

على صعيد الرواية المصرية كان لنجيب محفوظ نصيب الأسد في الترجمات والذي كان صوت مصر وتاريخها على مدار أعماله، وتصدر قائمة أفضل الروايات العربية المترجمة التي بلغت العالمية، بل وتحول بعضها إلى أفلام في دول أخرى.

فمثلا رواية اللص والكلاب تعتبر واحدة من أهم أعماله التي ترجمت والتي صدرت في عام 1961، واستلهمها محفوظ من أحداث حقيقية دارت في نفس العام، عن سعيد مهران الذي خرج من السجن بعد أربعة أعوام قضاها بتهمة السرقة ليجد زوجته تزوجت من أعز أصدقائه بصحبة ابنته لتتوالى الأحداث. وقد ترجمها تريفور لى كاسيك إلى الإنجليزية عام 1984 ثم ترجمها جون رودين بيك إلى الفرنسية عام 1985، ثم الهولندية عام 1989، والإيطالية عام 1990، ثم الإسبانية عام 1991، والألمانية عام 1993، واليابانية عام 2009 وتحولت أيضًا إلى فيلم أذربيجاني شهير بعنوان اعتراف.

نجيب محفوظ

وبعدها توالت ترجماته لتصبح الجامعة الأمريكية بمطابعها في مصر صاحبة حقوق الترجمات المختلفة لتكير نسخه المبيعة حاجز المليون قبل وقت طويل من وصول أرقام بيع النسخ العربية التي تحتكرها دار الشروق إلى نفس الرقم، والذي بلغ تقريبًا في آخر بيان أصدرته الدار عام 2018، ونشرته عدة صحف منها صحيفة الشرق الأوسط نحو 650 ألف نسخة. رواية زقاق المدق وحدها طبقًا لمدير النشر في الجامعة الأمريكية صدر منها قرابة 52 طبعة تقريبًا بنحو 21 لغة. بينما في رصيد المترجمة دوريس كيلياس نحو 40 رواية من رواياته إلى اللغة الألمانية.

قاطع استرسالي في البحث صوت رسائل الواتس آب من دبي حاملة بعض الصور وكثيرًا من الإجابات. قال لي صديقي العزيز أحمد صلاح إنه وجد رفًا يوجد به عدد من الروايات العربية المترجمة.

ثم بدأ يرسل لي الصور تباعًا نسخًا لروايات عليها صورة نجيب محفوظ تمامًا كما جاءني في الحلم، من إصدار EVERYMAN’S LIBRARY والمعنونة في لندن العاصمة البريطانية، ونسخًا من روايات الكاتب اللبناني جبران خليل جبران، وقليلًا من الروايات الحديثة مثل رواية مولانا للكاتب المصري إبراهيم عيسى، وحكايات يوسف تادرس للكاتب المصري أيضًا عادل عصمت وهي الرواية التي حازت على جائزة نجيب محفوظ للأدب والتي تتولى الجامعة الأمريكية بالقاهرة ترجمتها.

لم يجد شيئًا من دول المغرب العربي مثل رواية الخبز الحافي للكاتب المغربي محمد شكري والتي ترجمت لأكثر من أربعين لغة، وصدرت بالفرنسية والإنجليزية قبل صدورها بالعربية، أو من السودان مثلًا حيث يمكن أن تجد عملًا عظيمًا مثل موسم الهجرة إلى الشمال للكاتب صالح الطيب والمصنفة ضمن أفضل الروايات العربية، أو من فلسطين الحبيبة والتي يتصدر مشروع كاتبها غسان كنفاني في روايته رجال في الشمس أهم ترجمات ذلك القطر، والتي ترجمت إلى عدة لغات عالمية واكتسبت شهرتها بسبب المكانة الكبيرة التي كانت تحظى بها القضية الفلسطينية في الضمير العالمي في ستينيات القرن الماضي الذي شهد انطلاقة الكفاح الفلسطيني المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي.

روايات مترجمة

ومن الصور يبدو أن دور النشر الأجنبية تغزو أسواقنا العربية بإنتاجاتنا الأدبية التي بالقطع لا تعبّر عن عراقة تاريخنا الأدبي. ربما لهذا لم أفكر حتى في البحث عن كتاب مصري أو عربي مترجم في مدينة تعتبر عاصمة ترجمة الثقافات بأشكال عديدة في المنطقة العربية.

ووسط سوق القراءة الحاليّ في مصر والذي يشهد نشاطًا في الكتب المترجمة من مختلف الثقافات إلى العربية قفزت إلى ذهني عدة أسئلة: هل يمكن أن نجد في أستراليا مثلا نادي قراء محترفين يهتم بترجماتنا العربية ويحتفي بها ويقيم لها ندوة عبر تطبيق زووم فنمنحها بدورنا اهتمامًا أكبر؟

هل توجد رواية عربية يمكن أن تكون موضوعًا لحلقة برنامج على اليوتيوب يقدمها بوكتيوبر من إسبانيا؟ أو أن نجد خالد لطفي آخر في فرنسا مثلا يأخذ على عاتقه إيصال الأدب المصري والعربي إلى دول العالم لاستبدال الصورة النمطية التي تتضمن الجمل والصحراء والهرم والدم الذي نثره المتأسلمون في العالم بصورة أكثر تحررًا وثباتًا في العقول؟ أو حتى نجد دار نشر عربية تهتم بتنوع الإصدارات العربية المترجمة باللغة الإنجليزية تحديدًا وتحصل على تسهيلات ودعم من جامعة الدول العربية مثلًا لتصل بها للأسواق العربية فقط؟

للأسف إجابات هذه الأسئلة تخرج عن نطاق عملي ككاتب، ونطاق اهتمامي كقارئ، ونطاق تفكيري كباحث عن هدية مناسبة لأجنبية تحب القراءة. لكن الأكيد أن عالمنا العربي ما دام ظل فيه عقل ينبض وخيال ينطق فلا بدّ أن تظل قائمة الترجمات للدول الغربية مستمرة.

أعدتُ قراءة رسالة ليزا من جديد وأنا أتذكر الجانب الذي تذوقته في ثقافتنا المصرية وجعلها تقول -وقتها- بابتسامتها الجذابة وهي تنظر لي بعيونها العسلية اللامعة: ثقافتكم رائعة.

لقد عزمتها على طبق كبير من الكشري!

للتواصل مع الكاتب