الطريق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 04:05 مـ 7 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

هل يجوز للمرأة الإمامة في الصلاة؟

إمامة المرأة في الصلاة
إمامة المرأة في الصلاة

تتسائل الكثير من النساء، هل يجوز للمرأة الإمامة في الصلاة.

الجواب:

أداء الصلاة في جماعة من شعار الإسلام، ومن شيم الصالحين الكرام؛ فقد أعلى الشرع الشريف من شأنها، ورغّب فيها؛ فقال تعالى: ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: 43] أي: في جماعتهم، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلَاةُ الجَمَاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» متفق عليه.

وهذه النصوص وغيرها تدل على أنه لا فرق في استحباب الجماعة بين المرأة والرجل، فصلاة المرأة في جماعة مع غيرها من النساء وإمامتها لهن مشروعة مستحبة، فالتعبير بأفعل التفضيل في قوله صلى الله عليه وآله وسلم-: «صَلَاةُ الجَمَاعَةُ أفضل..» إلى آخر الحديث- يقتضي ندبيَّة الجماعة، والحديث مطلق، لم يقيده النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذَكَر أو أنثى، فدلَّ ذلك أن النساء متساويات مع الرجال في تحصيل فضيلة الجماعة، وإقامة الصلاة جماعة من قِبَلهن وحدهن كما يقيمها الرجال وحدهم.

وجواز إمامة المرأة غيرها من النساء هو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما -راجع: "السنن الكبرى" للبيهقي (3/ 187، ط. دار الكتب العلمية)، وذكر ابن حزم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يأمر جارية له تَؤُم نساءه في ليالي رمضان -انظر: "المحلى" لابن حزم (3/ 128، ط. دار الكتب العلمية)-، وهو مذهب عطاء والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور -راجع: "المجموع" للنووي (4/ 94، ط. مكتبة الإرشاد)، و"المغني" لابن قدامة (2/ 17، ط. دار إحياء التراث العربي)-، وهو ما نصَّ عليه فقهاء الشافعية والحنابلة، وهو ما نفتي به..

وقد ورد ذلك من فعل أمهات المؤمنين؛ فعن ريطةَ الحنفيَّة رضي الله عنها قالت: أمَّتْنَا عائشةُ فقامت بينهن في الصلاة المكتوبة. رواه البيهقي في "الكبرى".

وعن حجيرة رضي الله عنها قالت: "أمَّتنا أمُّ سلمةَ في صلاة العصر، فقامت بيننا" رواه البيهقي في "السنن الكبرى". فلو لم تكن صلاتهن في جماعة مشروعةً لما وقع ذلك من أمهات المؤمنين؛ لقربهن من النبي ومعرفتهن بسنته صلى الله عليه وآله وسلم.

وعن أمِّ ورقةَ رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذِّنًا يؤذِّن لها، وأمرها أن تَؤُمَّ أهلَ دارها" رواه أبو داود والحاكم والبيهقي في "السنن لكبرى".

فأَمْرُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها بأن تؤمَّهم في الصلاة يدل على مشروعية إمامة المرأة لغيرها في البيت؛ لأن إمامة المرأة لغيرها لو لم تكن جائزةً لما أَمَرَها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإمامة غيرها من النساء.

اقرأ أيضا: هل كف الأذى من الصدقات؟ وزير الأوقاف يرد

ولا يصح القول بأن فعل السيدة عائشة رضي الله عنها محمولٌ على أنه كان عند ابتداء الإسلام ثم نُسِخ؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة، ثم تزوج عائشة رضي الله عنها وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع سنين، وبقيت عنده تسع سنين، وما تؤم إلا بعد بلوغها، فأين ذلك من ابتداء الإسلام؟

وأما ما ذكره بعض الفقهاء من إمكان كون الناسخ هو ما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلَاةُ المَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِن صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا»، وما رواه ابن خزيمة عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَحَبَّ صَلَاةِ تُصَلِيهَا المَرْأَةُ إِلَى اللهِ فِي أَشَدِّ مَكَانٍ فِي بَيْتِهَا ظُلْمَةً»، وفي حديثٍ له ولابن حبان: «وَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَى وَجْهِ اللهِ أَقْرَب مِنْهَا فِي قَعْرِ بَيْتِهَا»، والمخدع: الخزانة التي تكون في البيت، ومعلومٌ أن المخدع لا يسع الجماعة، وكذا قعر بيتها وأشده ظلمة.

فجوابه: أن مجموع الأحاديث يدل على ندبية صلاة المرأة في أشد الأماكن سترًا لها؛ لصونها مما قد تتعرَّض له من أذى وإساءة، ودرءًا لما قد يسببه خروجها من فتنة وفساد، وليس في الأحاديث تعرُّض لكونها تصلي في جماعة أو منفردة، والمخدع: يطلق على الخزانة في البيت التي تحفظ فيه الأمتعة النفيسة، أو على البيت الصغير في البيت الكبير كالحجرة، والحجرة الصغيرة قد تكفي للجماعة من الاثنين على الأقل، والاثنان أقل الجماعة، وقعر الشيء هو نهاية أسفله، والجلوس في قعر البيت كناية عن الملازمة، فقعر بيتها، أي: داخل بيتها.

وعلى ذلك: فيصح للمرأة أن تؤم غيرها من النساء، وإذا أمَّتهن تقف في وسطهن ولا تتقدم عليهن كموقف إمام الرجال؛ لأن المرأة يُسْتَحَب لها التستر، ولذلك لا يستحب لها التجافي في الصلاة، وكونها في وسط الصف أستر لها؛ لأنها تستتر بهن من جانبيها، فاستحب لها ذلك كالعريان، وإذا أمَّت المرأةُ امرأةً واحدة قامت المرأةُ عن يمينها؛ كالمأموم مع الرجال.

والله سبحانه وتعالي اعلم.