الطريق
الخميس 9 مايو 2024 05:35 صـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

في ميلاده الـ108.. ”الزمالك” تاريخ من النحس

اليوم: الخميس، الخامس من يناير عام 1911.
في هذا التوقيت تأسس نادي الزمالك، إحدى كبرى قلاع الرياضة والنَّحس في مصر؛ فلا يحتاج ارتباط الزمالك بالنَّحس إلى دليل، ربما فقط يحتاج إلى تأريخ، فعلاقة نادي الزمالك بالنَّحس مثل علاقته بالفانلة البيضاء، فهي علاقة ثابتة وراسخة ولم تتأثر بأي موقعٍ صار مقرًّا للنادي، فالنَّحس يلاحق كل شيء يتعلق بالزمالك حتى اسمه.
فلم يحدث أن تغير اسم نادٍ مصري أربع مرات، مثلما حدث مع نادي الزمالك الذي تم إنشاؤه تحت اسم "نادي قصر النيل" ثم تغير إلى "المختلط" ثم أصبح "نادي فاروق" حين فاز الزمالك على الأهلي في مباراة "الستة صفر"، ولكن بعد ثورة يوليو صار اسم فاروق من المحرّمات فتنازل أغلب أعضاء النادي عن عضوياتهم خوفًا من غضب الضباط الأحرار لارتباط اسمه بالنظام البائد، وحتى يعود النادي إلى الحياة ولا تُغلق أبوابه إلى الأبد صار اسمه "نادي الزمالك".
وحين ابتسم الحظ للزمالك في نهاية الخمسينيات، وتولى عبداللطيف أبو رجيلة -أحد أشهر وأغنى رجال الأعمال في منتصف القرن الماضي- رئاسة النادي في عام 1958 حصل الزمالك على بطولة الدوري لأول مرة في تاريخه، وارتفعت ميزانيته ثلاثة أضعاف، ودخل الزمالك مرحلة جديدة انتعش فيها، وتوسعت المنشآت، وتبرع أبورجيلة لبناء مقر نادي الزمالك في ميت عقبة بعد أن كان الزمالك عبارة عن مجرد ثلاث غرف ومدرج خشبي، وتم بناء مدرجات الدرجة الثالثة في النادي، وافتُتح ملعب الزمالك بلقاء مع فريق دوكلا براغ التشيكي في مباراةٍ امتلأت فيها مدرجات الزمالك عن آخرها، وانتهت بفوز الزمالك بثلاثة أهداف نظيفة.
جعل أبورجيلة من مقر النادي قطعة من الجنة، وسط حقول ميت عقبة ومنازلها العشوائية آنذاك، وعندما أدخل المياه إلى نادي الزمالك لم ينسَ أن يمد المياه لسكان ميت عقبة الفقراء مجانًا على نفقته، لكن بعد ثلاث سنوات فقط من رئاسته لنادي الزمالك صدر قرار التأميم، وتمت مصادرة أمواله!.
لم يكن النَّحس يلاحق فريق الكرة بنادي الزمالك فقط، وإنما يلحق أيضًا بأي شخص يحب النادي ويحاول تطويره.. فأبو رجيلة ليس وحده!.
فبعد تأميم أبورجيلة عثر الزمالك على رجل أعمال آخر، وكان رئيس مجلس إدارة شركة "كوكا كولا" (في ذلك التوقيت) اسمه علوي الجزار، وتولى إدارة النادي فترة قصيرة، واستطاع خلالها إحضار فريق ريال مدريد الإسباني على نفقته الخاصة ليلعب مع الزمالك عام 61، لكن قرارات التأميم لحقته هو الآخر مما جعله يترك مصر كلها!.
ولكن بعد خمس سنوات حل النَّحس ضيفًا على النادي الأهلي في موسم 65-66 وتلقى هزيمة مؤلمة من فريق القناة بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد فقط، ووصل به الحال إلى احتلاله المركز العاشر في بطولة الدوري بعد تسعة أسابيع فقط من بداية المسابقة، ومن هول الحدث تدخل المشير عبدالحكيم عامر -باعتباره رئيسًا لاتحاد الكرة- وقام بتعيين الفريق عبدالمحسن مرتجى رئيسًا للنادي الأهلي (قبل النكسة بعام واحد فقط).
لكن رغم كل ما تعرض له الأهلي، ورغم أنها كانت فرصة الزمالك الكبرى في حصد بطولة الدوري، والتخلي مؤقتًا عن المركز الثاني الأقرب إلى قلب لاعبيه، فإن الزمالك تضامُنًا مع الأهلي قرر إهدار هذه الفرصة التاريخية التي لا تأتي سوى مرة واحدة في العمر، وحصل على المركز الثاني، وأحرز النادي الأوليمبي درع الدوري لأول وآخر مرة في تاريخه!.
وحدثت النكسة، وحين عادت بطولة الدوري في عام 70-71 كان الزمالك الأقرب لإحراز اللقب، لكن في أثناء مباراة القمة احتسب الحكم محمد دياب ضربة جزاء للزمالك، فاعترض لاعبو الأهلي، وتم إلغاء الدوري!.
هكذا كان الزمالك دائمًا على موعد مع النَّحس، ففي مطلع الثمانينيات حين وصل الزمالك إلى قمة الدوري، ولم يكن بينه وبين إحراز اللقب سوى الفوز في مباراة واحدة فقط، يومها أحرز الزمالك هدف الفوز، ولكن الحكم تشكك في صحة الهدف، وهاجت الجماهير وماجت، فذهب الحكم إلى اللاعب علي خليل الذي أحرز الهدف، وسأله: هل الهدف صحيح أم أن الكرة قد تسللت إلى المرمى من الخارج بعد أن "قطعت الشبكة"؟!.
فقال له علي خليل "الكرة من برّه يا كابتن"، فتم إلغاء الهدف، وفاز الأهلي بالدوري!.
إن حظ الزمالك السيئ ليس فقط في أن الهدف لم يُحتسب، وإنما في أن الحكم ذهب إلى علي خليل -صاحب أفضل أخلاق في تاريخ الكرة المصرية- فلو ذهب الحكم لأي لاعب آخر لأقسم له أن الهدف صحيح مئة بالمئة، وربما تحدث عن روعة الهدف الذي أحرزه!.
لكنه حظ الزمالك التعس، ففي منتصف التسعينيات جمع الزمالك أفضل لاعبي مصر، وظن الجميع أن بطولة الدوري صارت قاب قوسين أو أدنى منه وأطلق الجميع على الفريق "فريق الأحلام"، وكان الأهلي لا يملك إلا عددًا قليلا من الأسماء اللامعة في كرة القدم، ورغم أن الزمالك كان يملك قوام المنتخب القومي بالاحتياطي، فإن الأهلي حصد الدوري، والزمالك ظل الثاني كما هو دائمًا.
وفي عام 2003، فاز الزمالك ببطولة إفريقيا للأندية ابطال الدوري، وصعد كأول فريق مصري لبطولة كأس العالم للأندية، فتم إلغاء البطولة.
وحين تصدر الزمالك الدوري في يناير 2011 وكان يبدو أنه في طريقه لإحراز اللقب وهو يحتفل بمئة عام على تأسيسه قامت الثورة، فتم تأجيل الاحتفال، وتم تأجيل الدوري لأجل غير مسمى، وحين عاد كان لاعبو الزمالك قد نسوا كرة القدم، فتصدر الأهلي القمة وحصد البطولة.
وفي العام التالي تفوق الزمالك، وتراجع الأهلي فحدثت مجرزة استاد بورسعيد التي راح ضحيتها ما يزيد على السبعين مشجعًا فتوقف النشاط الرياضي بأكمله، ثم عاد مرة أخرى بعد توقف عام كامل، وتألق الزمالك وكان الفريق الأجهز والأكمل والأفضل، وتصدر مجموعته، وصعد إلى المربع الذهبي، وصار الأقرب لحصد البطولة، فقامت ثورة 30 يونيو 2013.
لكن يمكن أن تضع كل النَّحس الذي أصاب الزمالك على مدار تاريخه في كفة، ونحسه يوم مباراة "الستة واحد" في كفة أخرى، وتأكد أن الكفة الثانية أثقل، وأرجح!.
فليس بعد الستة شيء، وقد شاء القدر أن أكون شاهدًا عليها!.
فأنا واحد ممن حضروا مباراة "الستة واحد" في استاد القاهرة، لذلك لا أظن أن زملكاويًّا حضر المباراة التي فاز فيها الأهلي على الزمالك بنصف دستة أهداف يمكن بعد ذلك أن يتأثر بأي نتيجة يخسر بها الزمالك، فمازالت تفاصيل ذلك اليوم وتلك المباراة محفورة بذاكرتي -مع الأسف- حتى الآن.
في ذلك اليوم ذهبت إلى استاد القاهرة قبل ست ساعات من بداية المباراة، وكان معي ستة من زملائي في المدرسة الثانوية فقد تعودنا أن نذهب معًا إلى مباريات الأهلي والزمالك في الاستاد.
كان من بين الطقوس التي اعتدنا عليها الذهاب مبكرًا إلى الاستاد خوفًا من ألا نجد مكانًا، لدرجة أننا ذهبنا في إحدى المباريات في العاشرة صباحًا رغم أن المباراة كانت في الثامنة مساءً، لكن الأغرب من ذلك أننا في كل مرة كنا نجد آلافًا من الجماهير قد وصلت قبلنا!.
كان موعدنا في الواحدة والنصف ظهرا أمام محطة مترو أنفاق كوبري القبة، الكل جاء في الموعد المحدد بالضبط، وانطلقنا إلى الاستاد، وتحديدا إلى بوابة الدخول المخصصة لجماهير الدرجة الثالثة "يمين" الخاصة بجمهور الزمالك والتي تقع أمام المنصة، وتوجهنا مباشرة إلى طابور الدخول فلم نكن بحاجة إلى شراء تذاكر المباراة فقد ذهبنا لنحصل عليها من أمام نادي الزمالك خوفًا من نفادها من المنافذ الموجودة أمام الاستاد، ووقفنا في طابور لمدة ساعة ونصف الساعة حتى وصلنا إلى المدرجات التي كان قد سبقنا إليها آلاف من الجماهير البيضاء.
وبمجرد أن جلسنا على المقاعد بدأنا في ترديد أحب الهتافات إلى قلب الزملكاوية "إحنا الزمالك إحنا ولاّ نسيتم.. جايين عشان نضحك.. نضحك عليكم"، هكذا استمرت الهتافات لمدة أربع ساعات متواصلة دون توقف، وكنت أحد الذين يقودون الجماهير في التشجيع!.
وبدأت المباراة، وقبل أن أجلس على مقعدي أحرز الأهلي هدفه الأول، لكني لم أتأثر، فقمت وهتفت "العب يا زمالك" ومرت دقائق وأحرز الأهلي هدفه الثاني، لم أكترث، وظللت كما أنا حتى جاء الهدف الثالث، فلم أعد أصدق ما يحدث أمامي، فالزمالك قبل المباراة كان الأفضل والأجهز لدرجة أن مدرب الزمالك قال "الأهلي لعبتي"، وفي أثناء اكتئابي أحرز حسام حسن الهدف الأول للزمالك من عرضية شقيقه إبراهيم، فدبّت فينا الروح من جديد، وظننا أن "الزمالك قادم!"، والمستحيل ممكن أن يتحقق، وأن يفوز الزمالك أو يتعادل على الأقل خصوصًا أن حسام أشار لنا أننا سنفوز "خمسة ثلاثة"، وربما كانت آخر إشارة قام بها في المباراة فبعدها أحرز الأهلي الهدف الرابع، فنظرت حولي فوجدت أن أغلب الجماهير البيضاء قد انصرفت، وحتى أصدقائي لم أجدهم بجواري.
وبعد دقائق قليلة صارت المدرجات خاوية على عروشها بعد أن أحرز الأهلي هدفه الخامس، ثم جاء السادس وكنت الوحيد من جماهير الزمالك الموجود داخل استاد القاهرة، وبالطبع الوحيد الذي شاهدت الهدف، ربما أكون في هذه اللحظة أشبه بحالة الإخوان بعد خطاب السيسي في الثالث من يوليو.
لم أكن مصدقا ما جرى ويجري أمامي، كأني فقدت الإحساس والعقل والمنطق لدرجة أنني بقيت حتى انصرف جمهور الأهلي!.
وبعد انتهاء المباراة، وفي اليوم التالي اشتريت كل الصحف، ربما كنت أظن أن النتيجة يمكن أن تتغير على ورق الجرائد، بل إنني ذهبت لأشتري مجلة "الزمالك"، ربما لديها رأي مختلف في النتيجة!.
وظل الاستاد بالنسبة إليّ مثل السينما، بمعنى أنه من الممكن أن تذهب إلى قاعة العرض وتشاهد فيلمًا باهتًا، وكذلك ممكن أن تذهب إلى الاستاد فتشاهد مباراة تصيبك بالشلل خصوصًا إن كنت تشجع الزمالك.
لكن منذ مباراة الستة وأنا أدرك حقيقة واضحة وناصعة، وهي أن الذهاب إلى الاستاد وتشجيع الزمالك من المدرجات له شروط منها:
1- ألا تكون مريضًا بالضغط أو السكر أو أمراض القلب؛ لأن قلبك قد لا يتحمل ما تشاهده على أرض الملعب.
2- أن تكون لديك مناعة ضد الهزائم، بمعنى أن تكون ممن يؤمنون بالمثل الشهير "يا بخت من بات مغلوب ولا باتش غالب" أظن أن صاحب هذا المثل زملكاوي أبًا عن جد!.
3- يجب أن يكون صوتك عاليًا جدًّا حتى تستطيع التواصل مع اللاعبين وأنت في المدرجات سواء بالثناء عليهم أو بتوجيههم أو بتحذيرهم من لاعب لا يرونه في الفريق المنافس، أو حتى بتوبيخهم.
4- لا مانع من أن تحصل على بعض المهدئات "خلّيك بارد" ولا تتأثر بكل ما يفعله لاعبو الزمالك مهما حاولوا استفزازك، ويفضل أن تشتري كمية كافية من اليانسون لأن "صوتك هيروح" سواء من التشجيع أو من التوبيخ -مشّيها التوبيخ!.
5- يجب أن تدرك الحقيقة الأهم وهي أن الهزيمة هي الأقرب، و"العكننة" قادمة لا محالة، والفوز هو الاستثناء خصوصًا لو كان على الأهلي، لذلك يجب ألا تنساق خلف الآمال الواهية التي يروجها بعض صبية التشجيع!.