الطريق
الخميس 9 مايو 2024 03:52 مـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

من الجريدة الورقية.. حسن فايق.. فنان هزم الاحتلال بـ«المنولوجات»

الفنان حسن فايق
الفنان حسن فايق
مؤرخون يعتبرونه مغني الثورة الشعبية الأساسي
كان يلهب حماس الثوار بأغانيه قبل صعود سعد زغلول وعدلي يكن على المنصة
كانت تدعوه هدى شعراوي وصفية زغلول إلى حفلات الحركة النسائية
قدم إيرادات حفلاته لصالح جمعية الإسعاف.. وواجه الطائفية بعرض مسرحي
الفنان حسن فايق، هو واحد من أهم ممثلى الكوميديا عبر تاريخ السينما المصرية، وهو فنان لا يختلف عليه اثنان نظرا لما يتمتع به من موهبة فريدة وضحكة لا تنسى، فمن منا ينسى منير فى فيلم «معبودة الجماهير»، أو صابر باشا عبدالصبور فى فيلم «الزوجة 13»، وهو الفيلم الذى شهد أشهر ضحكة فى تاريخ السينما المصرية فى المشهد الذى جمعه مع رشدى أباظة وعبدالمنعم إبراهيم، أو قدرى فى فيلم «سكر هانم»، أو سيد بنجر فى فيلم «أم رتيبة»، والعديد من الأعمال الفنية الخالدة فى وجدان المصريين مهما تمر السنون.
اسمه بالكامل حسن فايق محمد الخولى، مواليد 7 يناير 1897 بالإسكندرية، لم يكمل تعليمه وعمل بائعا فى محل من المحلات التجارية بحلوان التى انتقلت إليها أسرته بعد فصل أبيه «فايق محمد الخولى» من العمل بميناء الإسكندرية إثر مشاجرة مع ضابط إنجليزى، وهو الأمر الذى جعل حسن فايق يكره الإنجليز لسببين رئيسيين، أولهما وأهمهما أنهم مستعمرون، ثانيا أنهم كانوا سببا فى فصل والده من عمله، وهو ما يؤكد على أن هناك شخصية أخرى ووجها مختلفا لحسن فايق ربما قد لا يعلمه الكثيرون منا.
فى حلقة من حلقات برنامج «حوش عيسى» الذى كان يذاع على قناة «أون تى فى» للإعلامى الكبير إبراهيم عيسى الذى قال عن حسن فايق إن له دورا تاريخيا فى حياتنا السياسية عندما كان «منولوجست» شابا يتطلع إلى الشهرة فى وقت قيام ثورة 1919، وأن هذه الثورة الشعبية كان هو مغنيها الأساسى، حيث كان يظهر فى التجمعات الشعبية الجماهيرية ويقوم بأداء الأغانى الوطنية والمنولوجات التى كانت تحمل حس الدعابة والفكاهة أمام الجماهير تمهيدا لكلمة سعد زغلول وزعماء الثورة، وهو ما يدل على أهمية الفن فى حياة المصريين، ورغم جدية الأحداث التى كانت تمر بها مصر فى هذا التوقيت، إلا أن الثوار وقتها كانوا لا يستطيعون الابتعاد عن حس الفكاهة والضحك، وكانوا يوظفون الفن بأفضل شكل ممكن فى خدمة الوطن.
أيضا فى كتاب «مدارس الأداء التمثيلى فى تاريخ السينما المصرية» للكاتب عبدالغنى داود مدير عام الأرشيف القومى للفيلم السابق وصاحب العديد من الكتب الفنية الهامة، والذى قال عن حسن فايق: «تشتعل ثورة 1919 فيحول حسن فايق مسرحه إلى منبر لإثارة الحماس وإشعال نار الوطنية ويقدم إيرادات الحفلات لصالح جمعية الإسعاف ويحضر هذه الحفلات الزعيم سعد زغلول وعدلى يكن والأمير محمد على وبعض الوزراء وبعد الفصل الأول يقف سعد زغلول فى شرفة البنوار ويلقى خطبة سياسية».
ويقول أيضا: «فى تلك الفترة (يقصد ثورة 1919) يتجه حسن فايق إلى إلقاء المنولوجات التى كان يقوم بتأليفها وتلحينها من دون الموسيقى، وكان اعتماده فى أدائها على الإلقاء التمثيلى المنغم، وعندما ينفى سعد زغلول يخرج هو وأعضاء فرقته بملابس التمثيل فى مظاهرة صاخبة وفى نفس موعد المظاهرة الحاشدة التى كانت تقودها رائدة الحركة النسائية هدى شعراوى، وهنا يجدر بنا أن نذكر أن حسن فايق كان الفنان الوحيد أيام الحجاب الذى كانت تدعوه هدى شعراوى وتحرص على دعوته إلى حفلات الحركة النسائية وله زجل مشهور فى تحية هذه الحركة بعنوان «حيوا الفتاة المصرية»، وكذلك كانت تدعوه صفية زغلول «أم المصريين» للاشتراك فى الحفلات التى كانت تقيمها الجمعيات النسائية.. وقد كتب بعض الأزجال التى سرعان ما انتشرت بين الجماهير بحيث كانت أزجاله تتحول أحيانا إلى مشاهد تمثيلية تثير الحماس، أما عشقه للزجل فيرجع إلى أنه سمع يوما محمد عبدالقدوس عضو جمعية أنصار التمثيل يلقى زجلا بمنولوج «حلوة.. حلوة خالص دى العروسة» فألف منولوجاته على منوالها واشتهر بمنولوج «الكوكايين» المخدر القاتل الذى كان منتشرا فى ذلك الوقت، وكذلك منولوج «على القرافة» ومنولوج «الجواز أحسن».
وعن الحرب على حسن فايق من قبل رجال السلطة، يروي عبدالغنى داود: «كانوا يمنعونه من العمل بسبب منولوجاته الانتقادية ولكنه كان يرفض الاستسلام فحين كان (رسل باشا) وزير الداخلية البريطانى يصدر تعليماته بمنع هذا الفنان من العمل كان حسن فايق يتحداه بأن يكوّن فرقة مستعيناً ببعض الأموال التى كان يتدبرها من بيع مصاغ زوجته ثم يسافر إلى أقصى الصعيد ويطوف بفرقته الأقاليم ليواصل إلقاء أزجاله ومنولوجاته الوطنية بين فصول المسرحيات ثم فى المدارس والاجتماعات الخاصة والعامة».
وأيضا من ضمن المواقف النبيلة لحسن فايق الذى استطاع توظيف موهبته الفنية فى خدمة الوطن عندما حاول الإنجليز إشعال فتيل الفتنة الطائفية فى أحداث ثورة 1919 فكانت الرموز الثقافية والسياسية وقادة الحركة الوطنية يواجهون هذه الأزمات بالتأكيد على الترابط بين المصريين حتى لو كانت الديانة مختلفة، فلذلك كنا نرى فى المشاهد الأرشيفية لاحتجاجات المصريين فى 1919 تواجد ممثلى الأزهر مع ممثلى الكنيسة وهتافات يحيا الهلال مع الصليب، أما حسن فايق فواجه هو الآخر هذه الأعمال بالفن عندما قدم مسرحية «أحمد وحنا» من تأليف محمود خيرت، بالإضافة إلى تأليف بعض الأزجال التى كانت تهدف لنفس الغرض. فألف رحمة ونور على الفنان الكبير والسياسى العظيم حسن فايق الذي واجه الاستعمار بالضحك.