الطريق
الجمعة 29 مارس 2024 08:37 صـ 19 رمضان 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
تحرير سعر الصرف وتأثيره على سوق العقارات.. جمعية رجال الأعمال: تكلفة الوحدات السكنية الجديدة سترتفع مصر والأموال الساخنة.. فرص استثمارية وتحديات اقتصادية في مواجهة الحكومة عضو المجلس القومي للمرأة في حوار لـ«الطريق»: المرأة شهدت العصر الذهبي في عهد الرئيس السيسي مصر أول دولة في العالم تضع استراتيجية... سيدات الأهلي يحققن الثنائية المحلية للموسم الثاني على التوالي ”الحشاشين”.. مسلسل يكشف استخدام الإخوان لمفاهيم السمع والطاعة المطلقة 6 جنيهات.. حملة لتثبيت سعر تعريفة التوك توك داخل سمالوط رئيس الوزراء يؤكد ضرورة وضع أجندة تنفيذية لمخرجات المرحلة الأولى للحوار الوطني رسالة جديدة من نتنياهو لعائلات المحتجزين البترول تسدد 30 مليون دولار جزء من مستحقات شركة كابريكورن إنرجي مصرع شاب على يد آخر في مشاجرة بالمنيا مواد غذائية شائعة يحظر تناولها أثناء تفاقم التهاب المعدة جي بي مورجان يتوقع ارتفاع برميل النفط إلى 100 دولار بسبب روسيا

أكل هؤلاء عشاق؟!

"إنها حصن محاط بخندق" هكذا وصف الأديب الكبير عباس العقاد الأديبة مى زيادة، بحسب ما ذكره أنيس منصور فى كتابه "فى صالون العقاد كانت لنا أيام". هكذا كانت علاقة "العقاد" بـ "مي زيادة" تشكل لغزا كبيرا في حياة الطرفين، وتبقى رسائل العقاد المنشورة بعد وفاته واحدة من أهم الرسائل المتبادلة ما بين الأدباء العرب خصوصا ما بين أديب وأديبة.

يعود أقدم هذه الرسائل إلى عامي (1915- 1916) وقتها كان العقاد في السابعة والعشرين، ومي في الحادية والعشرين، وأحدثها في عام 1925، مما يعنى أن الرسائل امتدت فيما بينهم إلى عشر سنوات.

رسائل "العقاد" إلى "مي زيادة" كانت أكثر وضوحا وبوحا، في حين أن رسائل "مي" الأقل عددا جاءت أميل إلى الإيجاز، على عكس ما جاء في رسائل "جبران" و"مي" التي كانت أكثر اتساقا واكتمالا، وربما لأن علاقة "مي" بـ"جبران" جاءت متأخرة نسبيا فكانت وقتها "مي" قد ألفت عالم التراسل.

في رسالة "العقاد" الأولى يخبرها أنه يقدم إليها نسخة من كتابه "الفصول"، وسيتبعه بنسخة من "الديوان" في جزأيه، وناداها بالآنسة وأعرب عن احترامه وإعجابه بها، وفي الرسالة الثانية المؤرخة في مارس 1923 يكتب أنه تلقى رسالة منها سرت كما تسري نسمات الشمال في بلدته، ويشكر لها ثناءها على كتابه، ويشير إلى بعض نقاط الاختلاف في الرأي في مضمون الكتاب، ويبرز لها شوقه إلى محاورتها، وفي الثالثة يتابع "العقاد" الجدل في مفهوم الرمزية، وينتقد رموز "جبران" في كتابه "المواكب"، وفي الرابعة يجيب "العقاد" على "مي" التي سألته: هل كان قومه يقدرونه كما ينبغي؟

وفي الرسالة الخامسة يرد على رسالة تلقاها منها تندد فيها ببيت شعر لحافظ إبراهيم، وفي السادسة يعلق "العقاد" على كتابين لها تلقاهما هدية منها، وفي السابعة المؤرخة في 1924 يهدي إليها كتابه "مطالعات في الكتب والحياة"، وفي الثامنة يشكرها لتهنئته بالعيد ويرسل إليها أبياتا من نظمه.

لكن تبقى الرسالة الفارقة هي تلك التي كتبها "العقاد" بعدما سافرت "مي" إلى روما، رسالة مطولة بدا فيها عاشقا مفتونا، وتلا الرسالة بقصيدة عنوانها "حورية البحر" باح فيها بمشاعره تجاه "مي" التي صدته فكان أن تحول عنها "العقاد" وتعلق بـ"سارة"التي استبدت بقلبه، لكن "العقاد" لم ينقطع عن مراسلة "مي" فراسلها في 1925 وكتب لها أنه تذكرها في صحراء "ألماظة" وناجاها بقصيدة.

ومن خلال الرسائل العشر التي احتفظ بها "العقاد"، وبعض الردود عليها من "مي"، يمكن أن نكون فكرة عن طبيعة تلك العلاقة التي أوضحها العقاد بكل صراحة في روايته "سارة" فكتب: "كان همام يحب امرأة أخرى حين التقى سارة في بيت ماريانا.. يحبها الحب الذي جعله ينتظر الرسالة أو حديث التليفون، كما ينتظر العاشق موعد اللقاء، وكانا كثيرا ما يتراسلان أو يتحدثان، وكثيرا ما تباعدان ويلتزمان الصمت الطويل إيثارا للتقية، واجتنابا للقال والقيل، وتهدئة من جماح العاطفة..لكنهما كانا أشبه بالشجرتين منهما بالإنسانين، يتلاقيان وكلاهما على جذوره، ويتلامسان بأهداب الأغصان، أو بنفحات النسيم العابر من هذه الأوراق إلى تلك الأوراق".

كانت المرأة المقصودة هي "مي"، وكان "همام" بطل الرواية هو "العقاد" نفسه، الذي أضاف: "كان يغازلها، فتومئ إليه بإصبعها كالمنذرة والمتوعدة، فإذا نظر إلى عينيها، لم يدر أتستزيده أم تنهاه". ويفهم من ذلك أن "مي" كانت تصد "العقاد" أحيانا دون أن تجرح شعوره، إلا أن "العقاد" خيل إليه أنها في أعماقها تكن له ما كان يكن لها من حب، خصوصا بعد أن فاجأته بزيارتها بعد أن شاعت صلته بسارة، الزيارة التي بكت فيها "مي" حينما سألها "العقاد" عن سبب الزيارة، فحاول "العقاد" أن يقبل يدها، فمانعته ونهضت منصرفة.

في النهاية يقر"العقاد" بأن العلاقة لم تكن تتجاوز المشاعر المتبادلة، ويتحدث عن ندوة "مي" وعن محبيها فيقول: "كم كان زوار تلك الندوة العالية، وكم كان كتاب الرسائل منها وإليها!.. إنني أعد منهم غير مرة نحو الثلاثين". ويتساءل "العقاد": "أكل هؤلاء عشاق؟!، مَن مِن هؤلاء تصطفيه مي إذا أجابت جواب المحبوبة التي تتقبل العشق ممن يدعيه؟".