الطريق
الجمعة 29 مارس 2024 03:35 مـ 19 رمضان 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

خالدنا التوفيق.. وخالدهم الذي لا يعرفونه!

د. محمد فتحي
د. محمد فتحي

يقول أحمد خالد توفيق: أقابلكم عند مترو المطرية، ونحن «العيال» الفرحين بمجىء كاتبهم المفضل لشقة عزّاب يقيم بها طلبة طب صاحبها تامر إبراهيم، ننتظر حديثًا ممتعًا وضحكات لا تنقطع ومشاهدات لأحدث أفلام السينما، وقراءات لأحدث روايات العالم، وحديث فى كل شىء وأى شىء، سمته التى يتفق عليها الجميع هى السعادة، كلنا سعداء بأحمد خالدنا التوفيق الذى يجىء لنا من طنطا ليلقانا، ويذهب للقطار بلا تذكرة منتظرًا أن «يطوّقه» الكمسارى، ويهدينا كتب هيكل وروايات صنع الله إبراهيم وستيفن كنج، ويصر أن يُنهى سلاسله التى نعشقها، لأنه يريد أن يقول الناس عنه: لماذا توقف عن الكتابة؟ بدلًا من أن يقولوا: لماذا يكتب أصلًا؟!.

أدّب أحمد خالد توفيق المغامرة، وبسّط الأدب العربى والعالمى، وكشف عن جغرافيا جديدة فى الكتابة حين أتت قصصه من قلب إفريقيا، مُصرًا على أن يهدم الأساطير، ورفض لقب العرّاب، وكفّ عن كتابة الشعر يوم اكتشف أن أمل دنقل يكتبه، لكنه أبدًا لم يتوقف عن كتابة ما يحب.

بعد وفاته، ظهر ألتراس مرعب للرجل من بعض الذين لم يقابلوه، بل وأجزم أنهم لم يقرأوه، ذهبوا به لمصاف الذين لا يمكن نقدهم، مفضّلين الرد على التجاوز بلغة لم يعرفها أو يُقرّها الرجل فى حياته، وأجزم فى مماته، والغريب أن أكثرهم عرفوه من عبارات ومقالات لم يكتبها وأُجيدَ توظيفها فى مناسبات عدة على السوشيال ميديا، ليعاد تقديم الرجل فى ثوب لم يحبّه قطّ، ولم يلبسه على الإطلاق!.

خالدنا التوفيق غير خالدهم المنتسبين له ظلمًا وزورًا، أو خالد توفيق الباحثين عن معارك ضد رجل مات من أجل التريند، ولو عرفوه لانتقدوه كما يجب، لا كما اعتادوا مع غيره، ولو كان للباحثين فى سوسيولوجيا القراءة فى بلدنا أكل عيش، لأجابوا السؤال المهم الذى لم يُجبه أحد: لماذا أحب الشباب هذا الرجل الذى جعلهم يقرأون؟ ولماذا يزيّنون قبره بما لم يزيَّن به قبرُ كاتب؟ والإجابة طويلة ومعقدة وتستحق التأمل لأن أحدًا لم يحدثهم أو يحترمهم أو يخاطب عقولهم مثلما فعل الرجل الذى فضَّل أن يكون درجة يرتقوا بها لمن هم أعلى منه مكانًا ومكانة، كما كان يقول، ولم يكن سوى نفسه، مهما تصوّروه خالدهم، ومهما تصوّرناه خالدنا، يظل متفردًا، ويظل: أحمد خالد توفيق.