الطريق
الجمعة 19 أبريل 2024 09:15 مـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

لكنه موجود

صعب جدًا حين نتحدث عن د.أحمد أن نصفه بالكاتب الراحل، لأنه سيظل حيًا بيننا بكتاباته وقيمه وأفكاره، وأبطال قصصه الذين تربينا معهم منذ مرحلة الطفولة والصبا، حتى مرحلة الشباب، سواء رفعت إسماعيل في "ما وراء الطبيعة"، أو عبير عبد الرحمن في "فانتازيا" أو علاء عبد العظيم في "سفاري".


والمتأمل لكتاباته سيجده قدَّم توليفة نادرة التكرار، تجمع بين الفلسفة والرعب والإثارة والتشويق والسخرية، بالإضافة إلى أنه فتَّح أعين وعقول قرائه على عوالم لم يكن لهم أن يعرفوها سوى من خلاله، فجعلنا نتعرف إلى مختلف الثقافات والحضارات، سواء الغربية، أو التي تنتمي للشرق الأقصى، بكل ما بها من تراث عجيب، وحكايات ساحرة، فضلا عن أنه كان سببًا لنعرف كتابًا كبارًا أشار لهم في أعماله مثل دوستويفسكي وإدجار آلان بو وشكسبير، وغيرهم.


حتى مقالاته، لم تكن كغيرها، بل كان مدرسة متفردة تجعل من يمر بعينيه فوق سطور تأملاته، يشعر بمتعة واستغراق مختلف عما يشعر به في باقي المقالات الموجودة معه في نفس الصحيفة، وكأنه كاتبًا يدس بين سطوره تعاويذ المحبة وطلاسم المتعة والقبول!


وفي ندواته الأدبية، كان رغم شهرته الطاغية، إنسانًا بسيطًا خجولًا، يسخر من نفسه بضحكة طفولية، ويستمع لمن حوله باهتمام وإنصات شديد، ليقدم صورة مغايرة للشكل النمطي لبعض كبار الكتاب الذين يتحدثون بلغة مقعرة، ومفردات غير منتشرة، حتى يداروا بها عوارًا فاضحًا في شخصياتهم ونقائصهم الأدبية!


باختصار كان هذا الرجل نقلة في حياة كل قرّائه ومحبيه، وليس مجرد كاتب معروف في قائمة طويلة من المشاهير الذين تزخر بهم الذاكرة، لكن مكانتهم في القلوب لا تدانيه، فقد كانت وستظل في منطقة أخرى تمامًا، لذا لن سيظل أثره باقيا وكفى، ولن نعتبره راحلًا قطّ، هو فقط في مكان بعيد، لكنه موجود.