الطريق
الخميس 25 أبريل 2024 01:16 مـ 16 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

رسائل إلى ”س“

بعد صدور ديوانه الشعري الأول "كبرنا بنكره التفاح" للشاعر محمد إيهاب البشبيشي، مواليد نوفمبر 1996، بدأت تلك الرسائل التي لا تبتعد عن لغته الشعرية كثيرا، بعد توقف عن الكتابة دام لمدة عام كامل وربما أكثر، أعجب "البشبيشي" بصديقة ما وقرر خسارتها بشكل غير مبرر على حد تعبيره لكنها أتت إليه في أحد أحلامه فأستيقظ وهو لا يفكر في شىء سوى كتابة رسالة لها، كتب "البشبيشي" رسالته الأولى وأرسلها لها بإسم مجهول والجميل أنها تعرفت عليه بعد قراءتها مباشرة.

استمر "البشبيشي" في كتابة تلك الرسائل سواء أرسلها لصديقته أم لا. وأصبحت الرسائل هي طريقته المفضلة وربما الوحيدة للتواصل في أي علاقة، حب كان أو صداقة، وفي أحيان أخرى كان "البشبيشي" يكتب للا أحد ولكن "س" ظلت هي من يراسلها وكانت هي الـ"لا أحد" في نفس الوقت، وكأنه خلق "س" خاصة به يشكلها هو كما يريد عند كتابة رسائله، ففي إحدى الرسائل قد تبدو "س" صديقته التي أعجب بها، وفي بعض الرسائل تبدو وكأنها صديق مقرب وفي رسائل أخرى تبدو وكأنها اللا أحد.

جاءت أولى الرسائل بعدما استيقظ من حلمه مباشرة، وكأنه لم يكن قد استفاق بعد فيناديها بصديقتي "صديقتي ..صباح الخير.. أكتب إليكِ بعد انقطاع دام لأكثر من مئة يوم وأشعر أن لا فائدة من الكلام كمنشفة مبللة وتتملكني الرغبة في أن أضع يدي وراء ظهري وأنزع البطاريات ولكن لدي تخوفاتي الخاصة كأن أنام على الدوام ويدي وراء ظهري! ".

لكنه يتخلى عن ذلك التحفظ الذي بدأ به رسالته ليناديها "عزيزتي أقولها بأريحية الآن "عزيزتي" بعدما كنت أتحسس منها في بداية الرسالة وكأن ألفة حقيقية قد نبتت مع الوقت، عزيزتي مازلت أقولها بأريحية وبصدق بعدما كنت أكذبها في أول الرسالة وكأنني اختبرت شيئاً ما حقيقياً بداخلى".

الجميل في رسائل "البشبيشي" أنه من فرط صدقه يشاركها تفاصيله الخاصة، فبإمكانك أن تتعرف على "البشبيشي" ذاته من خلال تلك الرسائل فهو مثلا يقرأ للشاعر التشيكي "يوسف هروبي"، يحب شكسبير، ودائما ما يعيد التفكير في قصيدة بودلير "إلى عابرة"، هكذا هو يشاركنا أراءه وأفكاره، فمحبوبته "س" تمشي جانبه بسرعة بالغة كموسيقى الأفلام الأسبانية، وعلى شلال شعرها الذهبي رأى فينيسيا وما قد تبقى من حضارة الرومان!

قد يستغرق "البشبيشي" رسالة كاملة في وصف لحظة واحدة بمشهدية دقيقة وبشاعرية بالغة فمثلا عندما عاد إلى غرفته في أحد الأيام بعد أن أنهى الحديث مع "س" وبعدما أغلق باب الغرفة يقول "آه ياليتك رأيت تلك اللحظة.. لقد صافحت كتبي كتاباً كتاباً، لقد رقصوا معي في الغرفة، تلقيت التهنئة من أكثر من أربعين بطل من أبطال روايات مكتبتي، وتمت استضافتي في أكثر من مائة بيت شعر، الورد على السجاجيد تفتح من أجل هذه اللحظة، الفراش على الملاءة الزرقاء رفرف، الكروانات غنت خارج الشباك.. كانت لحظة ملحمية يا صديقتي "حينها لم أكن أعلم أكان القلب يدق أم يضرب رأسه في حائط صدري؟!".

في الحقيقة لم يكن غريبا أن يكتب "البشبيشي" في رسائله عن هذا الكم الهائل من الكتب والقصائد والشعراء فقد اعترف "البشبيشي" في إحدى رسائله: "أنا مريض بالكتب مفتون بها وأمقتها في نفس اللحظة أعرف أن جميعم يتربصون بي وأعرف أنني ذات يوم سأموت نتيجة سقوط مفاجيء لبودلير على رأسي من سابع رف في المكتبة ليحدث شج بطول جسمي أو أشتبه على دوريان جراي ولوحته المشوهة فيطعنني بدالها بخنجره اللامع أو يغرس في قلبي حنين درويش أو يميتني خفقان قلب أمل دنقل! وأعرف أنني كما قال جاك بريفيير:"أُحب شفتيك أكثر من كتبي".