الطريق
جريدة الطريق

ممالك الفكهانية

عمرو عز الدين
-

كل هؤلاء الفكهانية، من أين يأتون وإلى أين ينتمون؟ مع الاعتذار للبيتلز.

لا نعرف الأصل التاريخي للفكهانية، متى بدأوا وكيف أسسوا ممالكهم ومن أول سلطان لهم، لكن آثارهم تتحدث عنهم في كل مكان بداية من أهرامات البرتقال والبطيخ مرورا بمسلات الموز وحتى أقفاص المانجة.

يقول المؤرخ جلال الدين العويسي في كتابه المشهور "بدائع البطاطا في وقائع تعليق السُباطة" إن الفكهاني الأول نزح إلى الوادي قادما من تكعيبة عنب وهو ينادي في الخلق "ياااالا التلاتة كيلو بخمسة"، ثم بدأ في إنشاء شادر حضارته على ضفاف النهر. وكان الفكهاني الأول يؤمن بالبعث والحساب، لذلك اتجه إلى تجفيف المشمش والتين والبرقوق بعد الموت تمهيدا للبعث إلى خشاف، أما الحساب "خلي علينا يا أستاذ".

هكذا بدأت حضارتهم في الازدهار وكبرت شوادرهم وانتشرت في كل مكان، وسعى الفكهانية في المدائن حاملين بطيختهم المقدسة، قبل أن تتعفن حضارتهم بعد ثلاثة أيام فأسسوا الأخوية السرية للفكهانية والتي اتسمت بالسحر، حيث تشتري من عندهم أي فاكهة لتفسد في البيت بعد يومين، لكنها تظل عند الفكهاني سليمة ولو أبد الدهر.

من فنونهم السحرية أيضا أن تدخل على بضاعتهم فتجدها نضرة طازجة لامعة تسر الناظرين، تطلب منها ما تريد فيجمعه لك في كيس أسود بلاستيك مضاد للسلاحف البحرية، وحين تختلي بها في البيت تجدها فاكهة مفعصة، توشك على الجنون! متى حدث هذا التحول؟ في المرة التالية تحاول الاختيار بنفسك لكنه يمنعك بنظرة صارمة محملة بتعويذة فكهانية خطيرة تجبرك على الامتثال لاختياراته.

وإمعانا في السرية، ترك رجالاتهم الأوفياء رموزا في الأغاني تدل على حضارتهم البائدة، منها "ياحضرة العمدة ابنك حميدة حدفني بالسفندية"، والسفندية هي الرمز السري لليوسفي، وأحيانا يقال له "يوستفندي"، وأغنية عدوية "يا بنت السلطان" حين وصفها بـ"فروتة بأناناس"، وكان للكينج محمد منير نصيب الأسد في أغانيهم الفلكلورية وأشيع أنه أحد رجالهم الخفيين فهو من قال "شجر الموز طرح" و"اللي انكتب مفروط يا عنقود العنب" و"يا مدوقينا العنب.. العنب تفاح يالالالي"، ولم يعلن أحد عن ولائه للأخوية صراحة إلا سعد الصغير حين قال "فكهاني وبحب الفاكهة".

مهاراتهم الحسابية فائقة، إذا طلبت كيلو موز قال لك الفكهاني بحنية أبوية نادرة "ما تاخد كيلو ونص بعشرة؟"، تحاول إدارة العملية الحسابية في رأسك: إن كان الكيلو بسبعة ونص إذن النصف كيلو بتلاتة خمسة وسبعين، مع الجذر التربيعي لتسعة..... تتعقد الأمور وتلاحظ تصاعد الشياط من رأسك فتهزها موافقا على مضض. في إحدى المرات راقبت السعر المكتوب وأجريت الحسبة في رأسي ثم دخلت على الفكهاني واثقا: "هاتلي اتنين كيلو برقوق بعشرة"، فقال ببساطة وهو يسحب نفسا من الشيشة التفاح "طب ما تاخد تلاتة كيلو بخمستاشر"!

بالتأكيد سيتوصل علماء الأنثروبولوجي إلى السر الحقيقي في تشابه الفكهانية في كل مكان، لكن حتى يأتي هذا الحين أو لا يأتي سأستمتع بتناول التلاتة كيلو برتقال بعشرين ولا حول ولا قوة إلا بالله.