«البيزنس الحرام» .. بالأسماء أباطرة تجارة الأطراف الصناعية المضروبة

ضحايا صناعة الأطراف الصناعية الرديئة يكشفون المأساة
أخصائى علاج طبيعى: 95 % من الشركات تصنع تحت بير السلم
أستاذ طب طبيعى بجامعة عين شمس: صاحب أكبر شركة تصنيع أطراف صناعية خريج طب بيطرى
الطرف الصناعى عمره الافتراضى 20 سنة.. والعمر الحقيقى أقل من عام
حادث سيارة أو سقوط من مكان مرتفع أو حادثة فى موقع العمل نتج عنها بتر فى عضو أو أكثر من جسد أصحابها، ليفيقوا على واقع مؤلم مطالبين بالعيش معه ما تبقى من حياتهم، وهنا يبرز دور الأجهزة التعويضية التى تصنع فى محاولة للتسهيل على هؤلاء سبل العيش، كالأطراف الصناعية والمشايات والكراسى المتحركة.
ومعظم تجارة تلك الأجهزة تتركز فى محيط شارع قصر عينى، لذا يقصده معظم الباحثين عن الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية ليصطدم هؤلاء بجريمة اخرى وهى قلة جودة تلك المنتجات التى سرعان ما تتلف نتيجة صناعتها بخامات رديئة.. «الطريق» سلطت الضوء على تلك المأساة وحاورت «ضحايا البتر» والعاملين فى صناعة تلك الأطراف.
بيزنس حرام
فى البداية، تحدثنا مع ناصر نصحى فنى صناعة أطراف صناعية منذ 30 عاما بشارع قصر العينى اقدم وأشهر شوارع مصر فى تجارة الأطراف الصناعية، قائلا: كانت المنطقة تضم أكبر عدد من «الأسطوات» بينما الآن تحول الموضوع لبيزنس وكل همهم استغلال المريض.
وأكد «نصحى» على غياب الرقابة الطبية والفنية عن صناعة تلك الأطراف الصناعية بمصر، ومعظم العاملين فى السوق غير حاصلين على تراخيص وغير مؤهلين للعمل بها، ولكن بهدف الربح السريع حيث تصل الأرباح إلى 100 و200 ألف كأرباح سنوية.
وواصل حديثه: يوجد مصنع حكومى تابع للمعهد القومى للتأهيل الحركى والعصبى يعمل به فنيو أطراف صناعية حيث توجد مدرسة داخل المعهد لتعليم الفنيين، وعلى مدار 50 سنة تخدم المعاقين حركيا، لكنها للاسف لا تقبل جميع الحالات.
ومن جانبه، قال محمود علاء صاحب محل لبيع الأطراف الصناعية، إن صناعة الأطراف الصناعية غير رائجة فى مصر إلا فى بعض الأماكن المختصة مثل منطقة عابدين ومحيط قصر العينى وأبوالريش، مؤكدا أنهم يعتمدون بشكل كلى على البضاعة المستوردة، ولعل الأكثر إقبالًا هو المنتجات الصينية، وأضاف علاء لـ«الطريق» أن أنواع الأجهزة المطروحة فى السوق أغلبها مصرى، ألمانى، روسى، تركى، صينى، لافتا إلى أن الألمانى هو الأغلى، لجودة صناعته كما أنه مريح للمريض لكن سعره مرتفع جدا بالنسبة للمريض المصرى، أما المصرى، فلا يوجد له زبون لأنه منتج ضعيف وغير مطلوب، متابعا حديثه «المصرى بتاع الناس اللى على قد حالها، والتابعين للتأمين الصحى».
وذكر أن العميل يستخدم المصرى لمدة شهرين ثم يلجأ للأفضل جودة، أما الصينى فيلجأ اليه محدودو الدخل، وهو الأكثر مبيعا، قائلًا: «الحالة اللى وزنها ثقيل تشترى الألمانى»، أما عن الأسعار، فذكر أنها تبدأ لقطعة «فوق الركبة» من 12 ألفا إلى 75 ألف جنيه للصنف الألمانى، والمصرى «لأصحاب اللياقة البدنية»، يبدأ من 3 آلاف جنيه إلى 7 آلاف.
ويتابع «أما الصينى فيبدأ من 5 آلاف جنيه إلى 12 ألف جنيه»، مضيفا أن قطعة الذراع، تبدأ من 8 آلاف جنيه إلى 85 ألفا، أما عن الأصابع، فذكر أن أسعارها تأتى حسب الطلب، وتبدأ من 1350 جنيها للأصبع الواحد حتى 15 ألف جنيه.
واختتم البائع حديثه قائلا «السوق هابط والحالة واقفة، وكله شغال فى المضروب، مش زى زمان» وأضاف على حديثه الحاج محمود صاحب محل لتجارة الأطراف الصناعية، أن المريض من المفترض أن يعتمد على أنواع من الأطراف الصناعية ذات جودة عالية، وهذا يتوقف على الطبيب المعالج الذى يحدد النوع المناسب للمريض، وأيضا المعالج الفيزيائى الذى يساعد المريض على التأهيل فى مكان الإصابة.
فى حين ان هناك من يضطر إلى شراء النوع الأرخص ذى الجودة المنخفضة، أو أى بديل لتلك الأجهزة، فعلى سبيل المثال يمكن لمريض مبتور القدم شراء كرسى متحرك بدلا من شراء ساق يتعدى سعرها الـ30 الف جنيه، فى حين أن كل مريض يأتى إليه يذكره بأن الأجهزة البديلة لا تؤدى وظيفتها المطلوبة بشكل جيد، كما يذكره أن عمرها الافتراضى قليل، وطريقة المشى بها لا تعطى الراحة، فقد يتعرض إلى آلام نتيجة الاحتكاك أثناء المشى، الأمر الذى يؤدى إلى التأثير على المفاصل والظهر، مشيرا إلى أن هذه المشكلة عالمية، ولا تقتصر على السوق المصرى فقط، لافتا إلى أن عددا كبيرا من المرضى يضطرون إلى شراء والتعايش بالأطراف الرديئة منخفضة الثمن رغم ما تسببه من التهاب المفاصل الحاد فى الركبة أو الفخذ أو أى مفصل كبير آخر، وتتسبب فى النهاية بالإصلاح الجراحى للمفصل الحالى واستخدام أدوية الألم، ومعاناة ومضاعفات لا طائل منها، موجها بعض النصائح للمريض قبل التوجه إلى السوق لشراء الطرف الصناعى، قائلًا: يجب أن يراجع مع طبيب العلاج الطبيعى ليدله على نوع الطرف المناسب له رغم حالته المادية، بحيث لا يتسبب فى حدوث مضاعفات للمريض، إضافة إلى إرشاده إلى خطورة الأنواع «المضروبة».
ووجه البائع رسالة للمرضى «استشر طبيبك وتحدث معه عن حالتك المادية قبل أى شىء» فمن المهم عدم الاستعجال، واختيار النوع الأفضل لصحتك بدلا من حدوث مضاعفات انت فى غنى عنها.
وعلى نفس الصعيد، يقول محمد جلال أخصائى العلاج الطبيعى، ومدير إحدى شركات الأطراف الصناعية، إن صناعة الأطراف الصناعية تواجه عدة مشكلات وتحديات، أهمها أن أغلب الشركات العاملة فيها غير خاضعة لإشراف طبى، لافتا إلى أن عددهم ما يقرب من 100 شركة، منهم 5 فقط خاضعون لإشراف طبى، وأشار إلى أن نسبة كبيرة من الشركات يديرها أفراد غير متعلمين، تعلموا فقط مهنة الصناعة، ولأنها مجال مربح ويحقق مكاسب لهم عملوا فيها، لافتا إلى أن الأطراف الرديئة المصنعة فى أماكن غير مؤهلة تسبب مشاكل وكوارث للمريض.
وأشار الاخصائى إلى وجود أنواع متعددة، منها التركى والصينى والمصرى والألمانى، لافتا إلى أن الأنواع المتوافرة فى التأمين الصحى يتم توريدها من خلال مناقصة تحدد سعرا معينا للطرف، وتتقدم الشركات لتقدم عروضا بأسعار قليلة ويحصل التأمين على الأقل سعرا ويصل إلى 1000 جنيه للطرف تحت الركبة، و1500 للطرف فوق الركبة، ويصنعها المصنع بما يقرب من 500 جنيه.
وكشف عن غياب الضمير فى مجال صناعة الأطراف الصناعية خاصة أنها تجارة مربحة ومكسبها مرتفع، ويمكن لأى شخص أن يفتح شركة تجارة الأطراف الصناعية ولا يحتاج إلى بطاقة ضريبية وسجل تجارى. قائلا «بالنسبة للأطراف تحت الركبة تتراوح أسعارها من 2 إلى 5 آلاف جنيه، والأكثر جودة يبدأ من 8 آلاف جنيه إلى ما لا نهاية، بينما الطرف فوق الركبة يبدأ سعر الأجود من 70 ألف جنيه إلى 130 ألف جنيه، ويتوقف السعر حسب درجات الجودة وإمكانيات الطرف والقدم إذا كانت متحركة أم لا وبلد المنشأ والخامات، بينما أسعار الأصناف الأقل جودة من 7 آلاف جنيه إلى 10 آلاف جنيه»، لافتا إلى وجود أطراف ميكانيكية من 15 إلى 20 ألف جنيه، بينما الأطراف الهيدروليكية من 30 ألف جنيه إلى 150 ألف جنيه، وهناك أنواع إلكترونية تحاكى القدم السليمة، وتشعر بحركة القدم الأخرى وتكلفتها تبدأ من 30 ألف دولار وتباع فى مصر.
فى حين أكدت الدكتورة رنا الهلالى، أستاذ الطب الطبيعى بجامعة عين شمس، عدم وجود رقابة على سوق الأطراف الصناعية وعلى جميع الشركات العاملة فيه، مشيرة إلى أن صاحب أكبر شركة تصنيع أطراف صناعية خريج طب بيطرى، وليس له علاقة بالمجال نهائيا، وأكملت حديثها «الأماكن الوحيدة الخاضعة لإشراف طبى هو معهد التأهيل الحركى بوزارة الصحة، ومعهد القوات المسلحة فقط، وأغلب الأماكن التى تصنع أطرافا يشتريها المرضى تكون غير صالحة لهم ويرمونها ويخسرون أموالهم فيها، وأغلب العاملين فى المجال فتحوا مصانع رغم أنهم ليس لديهم خلفية طبية أو فنية أو علمية أو هندسية».
وتابعت «الشركات والمصانع تبيع الوهم للمرضى، والمريض يكلف نفسه ويدفع مالا وفى النهاية لا يرتدى الطرف وأحيانا كثيرة يوهمون المريض بأن الطرف ألمانى أصلى وهو صينى فكيف سيعرف؟؟ فضلا عن عدم تأهيله لارتداء الطرف، لذا يجب تأهيله قبل وبعد تركيب الطرف، ويتعلم كيف يرتديه ويجرى جلسات علاج طبيعى، وفى دول الخارج يحجز المريض فى المستشفى فترة لكى يتأهل، بينما فى مصر يستلم الطرف من الشركة وينتهى دورها الى ذلك».