الطريق
جريدة الطريق

جريمة بلا عقاب

سعيد محمود
-

"كلية وإنت تسمن".. جملة ثقلية الظل كان أحدهم يرددها مرارا في سنوات الجامعة الأولى، ظنا منه أنه "خفيف الدم"، وكأي مستظرف يحترم نفسه، كان يتبعها بضحكة تفوق جملته سخافة واستفزازا.

وفي تلك الأيام أتذكر ذلك المستفز الأعظم، كلما رأيت أحد خريجي الجامعة في مختلف المجالات، وخصوصا -بحكم العمل- خريجي كليات الإعلام والآداب، لأجد نفسي أردد جملته بكل أسف كلما سألتهم "كانوا بيعلموكم إيه في الكلية؟".

فطلبة الجامعة الأفاضل لا يستطيعون التفرقة بين المنصوب والمجرور، ولعل أشد ما يحزن أن ممتهني الصحافة، لا يدرك أغلبهم أبسط القواعد الإملائية، وتجد منهم من يكتب "الانتخابات" واضعا همزة أعلى الألف لتصبح "الأنتخابات"، ناهيك عن الأخطاء التي تأتي من عينة "فطعنه بطلق ناري"، وما خفي كان أعظم.

ولا يقتصر الأمر على أخطاء الكتابة والصياغة، بل هناك ما هو أشد هولا، فلا يشغل بال السيد الصحفي المبتدئ أبسط قواعد المهنية، ولا الإجابة عن الأسئلة الخمسة، أو كيفية تفريغ حوار صحفي، هذا إن كان يدرك أصول إدارة الحوار من الأساس.

قد يرى البعض أني متحامل بعض الشيء، وأن هؤلاء ضحية أساتذة المدارس والجامعات، الذين أهملوا في مهنتهم فخرج الطلاب من تحت إيديهم لا يفقهون شيئا، لكني أرى أن الخطأ يشارك فيه الكثير، يتحمل الجزء الأكبر منه المدرس والأستاذ بالطبع، أما الطلبة فهم يرتكنون إلى الكسل والاستسهال، وعدم السعي إلى التعلم، ثم يأتي دور أصحاب صحف ومواقع "بير السلم"، الذين يمتصون دماء الشباب لتعبئة منصاتهم شبه الإعلامية، ولا يكلفون أنفسهم عناء تعليمهم شيئا، فقط يعودون الشاب أو الفتاة على إدمان مخدر خطير يدعى "كوبي وبيست"، وما خفي كان أعظم.

وأخيرا يأتي دور النقابة العريقة التي ينتسب إليها كثير من الصحفيين الذين إن اختبرتهم لغويا ومهنيا، سترى أن الكارثة أكبر من قدرة كائن الـ "أرماديلوس" على الاحتمال.

إنها جريمة جماعية في حق اللغة والصحافة بكل المقاييس.. لكنها للأسف "جريمة دون عقاب".