أول سفير في الإسلام.. قصة الصحابي مصعب بن عمير

مصعب بن عمير.. شاب ذو جمال وغنى اشتهر بهما بين فتيان قريش فقد كان لا يلبس إلا أحسن الثياب، ويعرف بأنه أعطر أهل مكة ، وما مشى في طريق إلا واتجهت إليه الأنظار؛ لأنه فتى يحيا في الترف والنعيم، ولا يشغله من الدنيا سوى زينتها، وفجأة تحول إلى النقيض، انقطعت صلته بحياته السابقة وظهرت عليه أمارات الجد والتفكير، حاولت أمه كثيرًا أن تعرف ما ألم به، ولكن دون جدوى.
أسلم "مصعب"، دون أن يخبر أحدا، إلى أن رآه عثمان بن طلحة يدخل دار الأرقم لمقابلة رسول الله صلّ الله عليه وسلم؛ فلما علمت أسرته ضيقت عليه الخناق، وسومته أشد ألوان العذاب، ولكن دون جدوى، فقد استقر الإسلام في قلب الفتى المدلل، ولما اشتد الأذى على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، دعاهم للهجرة إلى الحبشة، وكان مصعب بن عمير رضي الله عنه من المهاجرين الأوائل.
ترك "بن عمير"، أهله وعشيرته حبًا وفداءً لرسول الله، ومن ثم تغيرحاله فبعد أن كان غنيًا منعمًا يلبس أفخر الثياب، أصابه الفقر واشتدت به الفاقة ، ولكنه لم ييأس؛ فقد كان يعلم أن الدنيا إلى زوال.
وعوض الله على مصعب، بأن اختاره الرسول صلّى الله عليه وسلم ليكون سفيره بالمدينة؛ يفقه الناس ويعلمهم دينهم، ويساهم في نشر الدعوة والإسلام؛ فأخذ يزور الأنصار في ديارهم، ويتلو عليهم القرآن الكريم إلى أن دخلوا في دين الله أفواجًا وأسلم على يديه جمع غفير من أهل المدينة، وعلى رأسهم سعد بن معاذ رضي الله عنه، ومكث في المدينة عامًا ثم عاد إلى مكة.
حاولت أم مصعب، أن تبعده وتثنيه عن دين الإسلام، إلا أنه رفض دعوتها وعاد إلى المدينة مرة أخرى في صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، حيث أقام الدولة الأولى ، وانتصر المسلمون على الكفار في غزوة بدر، وظل مصعب بصحبة المصطفى عليه السلام ، إلى أن أذن للناس بالحرب في غزوة أحد وكان مصعب على رأس الفرسان المسلمين في طليعة الجيش ، وقد كان النصر حليف المسلمين في البداية ، ولكن نزول الرماة من فوق الجبل، وانشغالهم بجمع الغنائم والأسلاب، جعل النصر من نصيب قريش.
كان مصعب في الحرب يحمل لواء المسلمين والأحوال يموج بعضها في بعض ، الأمر الذى جعل أحد فرسان قريش ، ويدعى ابن قميئة يعمد إلي مصعب شاهرًا سيفه ، وضرب يده اليمنى فقطعها ، فما كان من مصعب إلا أن أمسكه باليسرى وصاح قائلا: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، فقطع قميئة يده اليسرى، فاحتضن مصعب بن عمير اللواء بصدره، وهو يردد نفس الجملة، فأجهز عليه ابن قميئة بالرمح وقتله، فسقط رضي الله عنه صريعًا وسقط اللواء من يده، فالتقطه رجلان من قومه.
اقرأ أيضًا ”قصة سيدنا لوط عليه السلام و عذاب قومه لإرتكابهم الفحشاء
استشهد أول سفير في الإسلام وعمره لم يتخط الأربعين عامًا، فحزن عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ووقف على جثث الشهداء وهو يقول : {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} سورة الأحزاب الآية 23 .
مات مصعب بن عمير، الفتى الغني الذي كان يلبس أفخر الحلل ، ومات ولم يجد الصحابة ما يكفنوه به سوى بردة إذا غطوا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطوا بها رجليه ، خرجت رأسه ، فأمرهم الرسول أن يغطوا رأسه ، ودفن بن عمير مع من دفن من شهداء أحد، ضاربًا أروع مثل في البطولة والفداء.