الطريق
جريدة الطريق

أبراج منهاتن في القاهرة

د. السيد محمد راشد
-

المناطق العشوائية تكوّنت فى مصر بفعل سياسات خاطئة، واستعجال بعد قيام ثورة 1952م، حيث كانت القضيةُ الرغبةَ فى تطوير الرّيف من أجل زيادة الدخل وخلق فرص عمل جديدة وتنمية المناطق الرّيفيّة التى حُرمت كثيرًا من الاستثمار.

واجهت القيادة السياسيّة مشكلةً كبرى؛ فالرّيف ليس به بنيةٌ تحتيّةٌ تصلح لإقامة الاستثمارات مثل الكهرباء والمياه النقيّة وأجهزة الاتّصال والمواصلات والطرق والمستشفيات وجيل متعلم متحضر من السّكان، حيث كان مُلّاك الأراضي يعارضون فكرة نشر التعليم بين أبناء الفلاحين؛ خوفًا على مستقبل مهنة فلاحة الأرض التى ربّما تهجر مع وجود الطبقة المتنوّرة.

وكان قرار القيادة السياسيّة تقام الاستثمارات فى المدن والمناطق التى بها خدمات، وعندما شرعت الحكومة فى تنفيذ ذلك حدثت هجرةٌ كبيرةٌ من أبناء الرّيف إلى مناطق الاستثمار.

كانت المدن نظيفةً لقلّة ساكنيها من طبقة المتعلمين وطبقة البشوات ومُلّاك الأراضي، وإيجار السكن مرتفع ولكنّه متوافر.

وعندما هاجر أبناء القرى إلى المدن وهم معتادون الحياة القاسية فى الرّيف سكنوا المقابر وحول الترع وعلى أطراف المدن فى بيوت من الصّفيح والكرتون والطّين، أىْ تشبه ما كانوا يسكنونه قبل النزوح.
ومع الوقت زادت هذه البقع، ودخلتها المرافق لتصبح كما نراها الآن.
وأماكن هذه المناطق كانت فى مناطق حيوية مثل تل العقارب بالقرب من السيدة، وعزبة الصّفيح، ودار السلام بالقرب من المعادى، وحلوان، وأخطرها على الإطلاق المساكن العشوائيّة المُقامة على النيل من المظلّات إلى التّحرير حول وزارة الخارجيّة ومبنى الإذاعة والتلفزيون.
ناهيك عن سكان المقابر.

وكانت معظم الحكومات تعلم بهذه المشكلة، وأنّها تحتاج إلى مبالغ خرافية من أجل تطويرها، ولكنّها كانت تضع رأسها فى الرمال، والمشكلة تتفاقم.

هذه الأماكن شوّهت وجه القاهرة الحضارىّ، التي كانت تفوز دائمًا بمسابقة أجمل مدينة، وكانت تحصل عليها فى كل مسابقات الجمال.
مخاطر المناطق العشوائية:

-سكنها اللّصوص قطّاعى الطرق، وأصبحت مسرح للجريمة، ووكر لتجارة الممنوعات
وسبة فى جبين مصر.
-أصبحت مسرح للتّجارة السّوداء، وصناعات بير السلم المضرة، وهى تمثل نزيف فى جسد الاقتصاد.
-أصبحت مناطق تُظهر التّميّز الطّبقى بين أبناء الوطن الواحد والمنطقة الواحدة،
سبة ولعنة تطارد قاطنيها طوال العمر.
وعندما أتى الرّئيس السيسى إلى سدة الحكم وضع على رأس أولويّاته إزالة هذا الوباء نهائيًّا، وعدم السماح بتطوره كما كانت تفعل القيادات السابقة، فمن محاور التّطوير الذي قام به بناء مساكن بديلة لهذه العشوائيات، وتخطيط جديد لهذه المناطق المهمّة.
وقد اعتمد الرئيس فى مصادر التمويل على المِنح التى يحصل عليها من الدول الصديقة ورجال الأعمال، وأنشأ لذلك صندوقًا بعيدًا عن الموازنة والإجراءات الحكوميّة المعقّدة.
والمناطق التى تم تطويرها والانتهاء منها:
تل العقارب السيدة زينب، ومنطقة المواردة السيدة زينب، منطقة قلعة الكبش السيدة زينب، منطقة بطن البقرة مصر القديمة، عزبة العرب مدينة نصر قسم ثانٍ، منشأة ناصر، والمقطّم حيث تمّ بناء مساكن بديلة للمهاجرين.
وهناك مناطق أخرى فى المدن المهمّة مثل مناطق الإسكندرية ولسنا بصددها الآن.
هل تطوير هذه المناطق أهمّ من الصّحّة والسّكك الحديديّة؟
هذه المناطق سبة فى جبين مصر، وتنطلق منها العمليات الإرهابيّة؛ فكان من الواجب التّخلّص منها، وإعادة تخطيطها من جديد، أما تطوير الصّحّة فى ظلّ بقاء هذه المناطق هو بمثابة النّفخ فى قربة مقطوعة، فلا بدّ من التخلص من البضاعة الفاسدة كىْ نحفظ السليمة.
والمنطقة من وزارة الخارجيّة إلى المظلّات من المفترض يُقام بها أبراج سكنيّة؛ لتصبح أجمل من دبى منهاتن فى أمريكا؛ لأنّ موقعها فريد.
أمّا المناطق العشوائيّة فى وسط المدينة فى الأحياء التّجاريّة المهمّة فموضوعٌ لها تصور آخر، ولكن هناك مُعوّقات ومعارضة من الأهالي على وضع استمرّ ما يقرب من مئة سنة.
والحكمة تقتضي حلّ المشكلات فى هدوء، ثم يأتي التّطوير، فكلّ شبر فى بلدنا أغلى من الذهب.