الطريق
جريدة الطريق

وباتوه باليه بالشبشب هات

طارق سعد
-

"شر البلية ما يضحك"، ينطلق هذا المثل منك تلقائياً عندما ترى إبداعات المدعو "حمو بيكا" المتناثرة عشوائياً، فلا تعرف إذا كان المفروض أن تحزن أم تترك نفسك لموجة الضحك الهستيري، فما تراه أمامك فعلاً يصيبك بالحيرة، ويدفعك لدراسة هذه الحالة الـ "حمو بيكية" بشكل جدي وليس بما يناسبها من عشوائية.

لن تتمالك نفسك من الانفجار بالضحك وأنت ترى "بيكا" وهو يتلعثم أثناء تسجيل مونولجه الغنائي فى الـ "باتون ساليه"، ناطقاً بثقة وإصرار "باتوه باليه"، لتتذكر الراحل "سعيد صالح – سلطان العيال كبرت" عندما أصر على "تذنكرتين" فتضحك بالدموع دون تفسير لهذه الدموع إن كانت من "الفرفشة" أو من "الخيبة التقيلة"!

ولزيادة جرعة الدموع الطائشة تحتاج أن تعرف من مصادر تؤكد أن شركة "روتانا" العملاقة اتفقت مع "بيكا" على تسويق وتوزيع أعماله التى وصفوها بالـ "فنية" بعدما كانت تضم قائمتها كبار نجوم الوطن العربي وعلى رأسهم "عمرو دياب"!

الطبيعي الآن أنك تسب وتلعن فى الـ "حمو" والـ "بيكا"، ولكن هذه الحالة العشوائية لها زوايا أخرى أهم يجب أن تراها بعين فاحصة، لتحدد المسئولية الكاملة عن هذا الوضع الخارج عن السيطرة.

الحقيقة أن وجود "بيكا" وأعوانه أصبح أمراً واقعاً قد يراه البعض "رزق"، وربما هو "رزق الهبل على المجانين"، ولكنه أصبح أمراً واقعاً نتعامل معه ونتعايش معه مثل تعايشنا مع "كورونا" ولكن من هو المسئول عن هذا الأمر الواقع .. "واقع خالص"؟!

المسئولية متنوعة، أولها فشل استمرار صناعة الموسيقى، والذى فتح باباً خلفياً لدخول من لم يحلموا يوماً بفكرة تواجدهم بين نغماتها، صناعة كاملة انهارت فجأة دون أسباب مقنعة، قد تتهم القرصنة ولكن صناع الموسيقى أثبتوا أنهم لا حول لهم ولا قوة ولا يملكون مهارة المراوغة، بالإضافة لاعتمادهم منذ بداية الألفينات وبشكل كامل على الـ "نحت" من التوزيعات الغربية والتركية واليونانية، وأحياناً القوالب الموسيقية والأغنيات كاملة، والتى حققت نجاحات كاسحة كسرت سقف التوقعات، وكونت موجة غنائية عالية صنعت نجوماً بأسماء لامعة، وصنعت من هذه الفترة تاريخاً لازدهار صناعة الموسيقى الحديثة.

للأسف وبعد انحسار موجة الـ "نحت"، والتى تسببت في تكرار أغنيات كثيرة بنفس اللحن وأحياناً التوزيع، وبعد ما "كل شيء انكشفن وبان"، حدث نوع من الموت الموسيقي الإكلينيكي، ولم يعد صناع الموسيقي يقدمون ما يلفت أذن المستمع أو يجذبه لمنتجهم، وهو ما تسبب في تساقط النجوم الكبار الواحد تلو الواحدة، وامتد هذا التساقط للنجوم العرب، لتكتشف فجأة أنك لا تملك مبدعين حقيقيين يقدمون موسيقى محلية ناجحة متطورة، وأصبحنا مصابين بفقر موسيقي من الطبيعي أن يكون له توابع كارثية.

ولا كارثة أكبر من أن فتح هذا الركود أبواباً لعبور دخلاء إلى الساحة في ظل غياب كبارها، ليصبح الملعب خاليا واللعب عشوائيا، وتسبب هذا الوضع القاتل فى تشوق الجمهور وفضوله لتجربة أشكال وألوان جديدة مختلفة وغير نمطية.

لا يهمه هنا إن كانت تمت للفن بأي صلة، ولكنها حجر في المياه الراكدة من جهة، ومن جهة أخرى تملأ الفراغ الذي تركه الكبار، فبالتدريج تطبع الجمهور بما يسمعه وهو الطبيعي، وفسد ذوقه مما أتاح لهؤلاء العشوائيين فرصة للظهور والتمدد والاستقرار، لتتحول الصورة النهائية لما نراه الآن، وتصبح الأسماء الرنانة "حمو بيكا وكسبرة وشطة وسنجة"، وغيرها نجوماً للأغنية العشوائية يحققون منها مكاسب خيالية، ويطفون على سطح المجتمع وهم في الحقيقة "مطاريد"، خاصة أن صناعتهم لا تحتاج لنفقات والتى يتم توفيرها لـ "الاصطباحة".

"حمو بيكا" زعيم المطاريد استطاع أن يتواجد بقوة رغم كل السوء الذي يقدمه وجعلك تتفاعل معه وتضحك معه بهستيريا .. قد يكون هذا الأداء بالفطرة خاصة أن هناك أخصائي تخاطب فسر تلعثمه فى الـ "باتون ساليه" بسبب عيب فى أسنانه يؤثر على مخارج ألفاظه إلى جانب سوء التعليم .. وقد يكون مفتعِلاً ما نراه و"سايق الهبل عالمهرجان" كنوع من الترويج لنفسه محتذياً بتجربة الراحل "شعبولا".

هناك دائماً رد تلقائي وبسيط في مجتمعنا خاصة في المناطق الشعبية عند رؤية مشهد عبثي وهو "بالشبشب" فى إشارة لتصفية أفراد هذا المشهد بالسلاح الشعبي الفتاك .. فعندما ترى "حمو بيكا" لمدة قاربت الدقيقتين يتلعثم في تسجيل "وباتون ساليه بالسمسم هات" لتصبح "وباتوه باليه" ويقنعك أنه يمسك الطبقة الغنائية وهو يبدأ بـ " آآآه" .. تجد نفسك وأنت تنتفض من مكانك تلقائياً ترد .......

"وباتوه باليه بالشبشب هات"!