الطريق
جريدة الطريق

مريم واللي منها

طارق سعد
-

لا شك أن مجتمعنا تتعدد فئاته يتنوع بمختلف طبقاته، ومن الطبيعي ألا تحصل كل الفئات على نفس القدر من الاهتمام والتقدير، فتجد أن هناك فئات محظوظة وفئات أخرى مظلومة وهذا هو الحال.

من أهم فئات المجتمع التي ظُلمت لعقود طويلة هم "أصحاب القدرات الخاصة"، والذين وضعهم المجتمع بشكل عفوي في منطقة خاصة بهم أشبه بالعزل دون قصد، فأصبح لهم عالمهم الذى قد لا نكون نعرف عنه إلا القليل، من خلال الحكايات والأخبار والأعمال الفنية، دون اهتمام بتفاصيل، ما جعلهم في منطقة مجتمعية أشبه بالجزر المعزولة، ليس بشكل عنصري ولكنها لعنة روتين الحياة.

ظل الوضع على ما هو عليه حتى جاء الرئيس "السيسي" وقرر تقديرهم بشكل رسمي، فقام بترقيتهم من "أصحاب قدرات خاصة" إلى "فائقة"، وأرسى قاعدة جديدة بدمجهم في دائرة الحياة العادية دون تمييز أو التعامل معهم بشكل خاص، وهو ما فتح لهم شبابيك وأبواب جديدة على هذه الحياة لتكتشف فجأة أن هناك من نسيج المجتمع من يستحق قولا وفعلاً وصفه بـ "أصحاب القدرات الفائقة".

"أصحاب القدرات الفائقة" مبدعون جدد يمتلكون حساً فنياً وإبداعياً يستطيعون به الوصول لأبعد مما تتخيل فمنهم نماذج تستحق التوقف عندها كثيراً لتعيد حساباتك في نظرتك لهم بل قد تشعر بالخجل منهم لتفوقهم بقدراتهم وتحدي ظروفهم بشكل فائق يفوق نجاحاتك بكل ما تمتلكه أنت من مقومات!

نتذكر أجرأ خطوة قامت بها قناة "dmc" عندما قررت تعيين "رحمة خالد" كمذيعة بالقناة لتكتشف أنك أمام تحول جذري فى نظرة المجتمع لأصحاب "القدرات الفائقة" خاصة بعد ما قدمته من إبهار جعل المشاهد يصفق لها بحرارة بل أصبح لها من المعجبين ما يوازي النجوم وهي خطوة جريئة ومهمة وهو دور القوة الناعمة في تمرير ما يصلح ويفيد ويحمي المجتمع ونسيجه.

أما "مريم وجيه" فهي نموذج حي متعدد "القدرات الفائقة" وتستحق التوقف أمامها كثيراً انبهاراً وتحليلاً ولا مانع من أن تتعلم من تفوقها وتحديها لكل الظروف التى جعلتها واحدة من فائقات "القدرات الفائقة".

"مريم" فنانة تشكيلية تقدم أعمالاً ولوحات مبدعة حققت بها نجاحات كبيرة مما دفع المنتج "هشام سليمان" للاستعانة بإحدى رسوماتها كغلاف لكتابه الذي أصدره واحتفل به في معرض الكتاب وهو دعم لنجاح مختلف يستحق التقدير تماماً كما يستحقه المنتج "هشام سليمان" صاحب الرؤية المختلفة دائماً والتي تتأكد منها عندما تعلم أنه كان المسئول عن شبكة قنوات "dmc" عندما استعانت بالفائقة "رحمة خالد".

"مريم" لم تتوقف عند الإبداع الفني والتحاقها بكلية الفنون الجميلة قسم نحت كأول صاحبة متلازمة داون بمنحة دراسية حرة مقدمة من وكيل الكلية تقديراً لموهبتها الفائقة وحصولها على تكريمات عديدة في هذا المجال بل تتفوق رياضياً في البطولات والمسابقات الرياضية وتحصل على مركز أول وثاني فتحصل على تكريم خاص وشهادات تقدير لتفوقها فمن لا يعرف "مريم" هي بطلة الجمهورية والعرب في السباحة وحاصلة على 50 ميدالية خلال مشوارها الصغير.

لم يكن كل ما تقدمه "مريم وجيه" صدفة أو مجرد اجتهاد ولكنها بالفعل "قدرات فائقة" ناتجة عن معدل ذكاء فائق وهو ما جعلها تشارك فى برامج الذكاء العالمية وتحصل على تقديرات ونسب مئوية متقدمة جداً ومشرفة.

الحقيقة أن "مريم" تستحق التقدير والاهتمام فعلاً ولكن التقدير والتكريم الحقيقي تستحقه والدتها التي آمنت بقدراتها وتحدت كل الظروف والعوائق بل تحدت نمط تفكير مجتمع بأكمله وجاهدت لاكتشاف "مريم" واقتناص مواهبها وقدرتها وتنميتها بل وتصعيدها وغمسها في المجتمع حتى أصبحت من مبدعيه وأبطاله لتكن المبدعة والبطلة الحقيقية هي "هناء أمين" والدة "مريم".

"مريم واللي منها" يستحقون إلقاء الضوء عليهم واندماجهم في المجتمع بشكل طبيعي دون تمييز أو تقليل .. يجب على القائمين على الأعمال الفنية الاقتداء بما قام به المنتج "هشام سليمان" والاستعانة بالفائقين بشكل مهني محترم يبرز قدراتهم ويجعل منهم نموذج مشرف يحترمه الجمهور ويتفاعل معه بدلاً مما يقوم به البعض من الاستعانة بهم في أدوار "البركة" أو استغلالهم بشكل هزلي يعمق من جراح ذويهم ويزيد المسافة بينهم وبين المجتمع.

الأمر لا يحتاج قرارات عليا ولكنه أكثر احتياجاً لـ "آدمية" فى التعامل ومهارة فى توظيف "القدرات الفائقة" وإذابتهم فى خليط المجتمع كجزء لا يتجزأ منه وأصل من حقوقهم المقرة والمشروعة في حياة طبيعية فى المجتمع يتفاعلون معه .. يتعلمون منه .. ونتعلم منهم.

إذا كان هناك من يبدعون ويتباهون بقدراتهم .. فهناك أصحاب "قدرات فائقة" ربما هم الأفضل ....

"مريم واللي منها" .. لكم كل الاحترام والتقدير.