الطريق
جريدة الطريق

بيوت من صوف

-

منذ أن هبط آدم على الأرض وقد هيأ له المولى عز وجل حياة طبيعية قريبة من حياة الجنة التي كان يعيش فيها.
سخر الله له الطبيعة وهيأها له من أجل أن يعيش حياة طبيعية تشبه تلك التي عاشها من قبل، وكان ذلك قبل وجود الثورة الصناعية وغازات المصانع الملوثة للبيئة وعوادم السيارات التي ترفع حرارة المناخ والمباني الخرسانية التي تمتص الحرارة وتشوي البشر على نار هادئة ليلا ونهارا.
عاش آدم وذريته في بيئة طبيعية إلى أن تكاثرت الذرية وظهرت الحاجة إلى بناء بيوت بدلا من الخيام، ورصف المدقات التي تسير عليها الدواب لتسير عليها السيارات، وبناء الخزانات العملاقة لصرف المخلفات البشرية داخل باطن الأرض وتسربها إلى المياه الجوفية واختلاطها بها.
عاش آدم بيئة طبيعية أيام الاعتدال في الصيد، سواء من البحر أو البر، ولكن ذريته قامت بتجريف البحار من الأسماك ودخلت في دورات الحياة الطبيعية للمخلوقات البحرية فقضت عليها، أو أفسدتها، من أجل الربح والثراء.
ومع ارتفاع حرارة الجو عن المعدل الطبيعي ذاب الجليد في القطب الشمالي مما أدى إلى ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات وإغراق شواطئ وتدمير الشعاب المرجانية.
ومع ارتفاع درجات الحرارة عن معدلها الطبيعي يلجأ الإنسان إلى المبردات كي يستطيع السيطرة على الطقس. كثير منا لا يعرف الأشهر الفرعونية التي اخترعها القدماء لتصف حالة الطقس والمناخ طول السنة في مصر، ومن ثم المحاصيل الزراعية ومواعيد زراعتها، والفلاح يعرف هذه الأشهر جيدا وما زال يمشي عليها؛ وهي تبدأ بتوت وبابه وهاتور، وهي أشهر الخريف،
وكان الفلاح يعرف أن توت لازم يروي الزرع مرة ليموت، وشهر بابه لازم يخش ويقفل البوابة؛ لأن من عادة الناس قديما السهر أمام المنازل في الطراوة من الحر، وبعدين يأتي هاتور أبو الدهب المنثور، وهو شهر زراعة محصول القمح، الغذاء الرئيسي للبشر، وقد اختلف المناخ عن أيام الفراعنة بسبب عوامل كثيرة، منها ملوثات البيئة المتعددة وذوبان الثلوج في القطب الشمالي وتجريف الثروة السمكية من البحار والرعي الجائر وقطع الغابات وتقليل مساحتها علما بأن هذه الغابات هي رئة العالم وهي التي تمد الإنسان بالأكجسين إكسير الحياة.
نعود مرة أخرى إلى الأشهر الفرعونية والتي تبدأ سنتها بعد أيام قليلة أشهر الصيف هي: "بئونة وأبيب ومسرة"، وبئونه هي قلب الصيف وعز الحر، ومسرة هي آخر أشهر السنة الفرعونية وهي الشهر المعروف بفيضان النيل حيث ترد كميات هائلة من المياه من منابع النيل كانت تساعد في توسيع الرقعة الزراعية وجلب كميات هائلة من الأسماك كانت تغطي استهلاك السكان وتفيض عن حاجتهم.
أما أشهر الشتاء فهي: "كيك وأمشير وطوبة"، وكانوا يقولون كياك صباحك مساك دليل على قصر ساعات النهار، وكياك هو قلب الشتاء ويكون باردا جدا، وطوبة شهر الأمطار، وأمشير شهر عواصف ولكن ممكن تستمتع فيه بالجلوس في الشمس.
كانت البيوت مبنية بالطوب اللبن وهو من الطبيعة مسقوفة بالخشب والبوص، وهما من الطبيعة أيضا، وهذه البيوت كانت دافئة في الشتاء رطبة في الصيف، يعني بالبلدي حنينة على الإنسان لجسده من الطين.
لما كنا نخدم في الجيش في سيناء كان عمي سالم البدوي العجوز يقول مقولة حكيمة وهي: "عاوز تنام في الصيف فرش فرشة على الأرض والتحف السماء، عاوز تنام في الشتا نام على الأرض وغطي نفسك بغطاء". وكنا بنضحك على مقولته لأننا كنا بننام على مراتب ونتغطى ونسقع.
رحنا لعمي سالم "ال" قال: الإنسان ابن الأرض ومنها، فهي تبخ عليه دفئا في الشتاء والفرشة عازل يمنع وصول الدفا إلى جسده فلو نمت على الأرض استحوذت على الدفا الذي يخرج منها، الغطاء الخارجي يحميك من المناخ"، وفعلا بدأنا نجرب لقينا كلامه حكيم وعن خبره بس المقصود بالأرض الرمل أو الطين مش البلاط أو السيراميك.
وبمناسبة البلاط كانت هناك مشكلة تواجه الحجاج والمعتمرين وهي ارتفاع الحرارة حول الكعبة لدرجات عالية فكان لازم حل هذه المشكلة، زمان مكنتش موجودة لأن الأرض كانت رمل وكان من الممكن تنفيذ وجهة نظر الأجانب اللي أوصوا بوضع مكيفات في الأرض تساهم في تخفيف درجة الحرارة بس فيه واحد عجوز حكيم قال لازم ربنا يكون واضع حل للمشكلة دي وفعلا فيه جبل من الرخام الطبيعي كلما تعرض للشمس تنخفض درجة حرارته، وفعلا تم شراء كمية من رخام هذا الجبل وتم رصف أرضية الطواف حول الكعبة لتصبح باردة في عز درجات الحرارة صيفا أما في الشتاء فتكون دافئة أي أن الطواف أصبح ميسرا وسهلا صيفا وشتاء كما كان قديما.
نعود مرة أخرى إلى الأشهر الفرعونية، أشهر المناخ والزراعة، أشهر الربيع هي: "برمهات، برمودة وبشمس"، وكانو بيقولوا برمهات روح الغيط وهات هيجيب إيه من الغيط والأرض كانت ميتة في أشهر الشتاء التي هي كيك وطوبة وأمشير؟ هيروح يجيب الفول الحراتي الأخضر المزروع مع محصول القمح لكن دلوقتي الفول الحراتي بيظهر قبل ميعاده القديم بفترة بسبب الصوب الزراعية التي توفر مناخ مناسب لنمو المحاصيل قبل موعدها ومنها الملوخية الخضراء اللي بقت موجودة صيفا وشتاء ودا مكنش بيحصل زمان وكان معجزة خاصة بالأنبياء فقط. سيدنا زكريا كان يجد المحاصيل في غير وقتها عند مريم ودا إعجاز رباني لمريم أم عيسى، وهذا الإعجاز موجود لعامة الناس مؤمن وغير مؤمن بفضل التقنيات الزراعية الحديثة التي توفر درجات الحرارة الملائمة لنمو المحاصيل في غير وقتها والهدف الحصول على الربح.
وهل الأشهر الفرعونية دي موجودة مثلا في العراق؟
هذه الأشهر تخص المناخ والبيئة المصرية فقط وهناك أشهر مثلها في دول عديدة تخص الزراعة والمناخ فيها.
وهل الأشهر (الميلادية) يناير وفبراير... تصف المناخ؟ لقد تم تطويرها للمناخ في مصر بحيث نقول إن الربيع يبدأ من 21 مارس إلى 21 مايو وهكذا كل تلت شهور فصل جديد وهي تختلف عن الأشهر القبطية في حدود عشرة اتناشر يوم بسبب أن الشهر 30 يوم بينما الأشهر الميلادية تتراوح ما بين 28 و 29 و30 و31 يوم وبذلك تكون السنة الميلادية 365 يوم كسور والفرعونية 360، وقد أطلق الفراعنة على الفرق "نانسي".
عظمة الشهور العربية أنها شهور الله وهي مرتبطة بالعبادة عند المسلمين، دي أشهر حرم لا يجوز فيها القتال زي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، وهي أشهر أعظم ركن في الإسلام وهو الحج.
وشهر رمضان شهر صيام بالنسبة للمسلمين وهو ركن من أركان الإسلام الخمس.
وكل شهر به ثلاث أيام تسمى الأيام القمرية وفيها القمر يكون في تمام كماله ويستحب صيامها وفيها تزيد المياه في البحار (المد والجذر).
وقد أثبت العلم الحديث أن المياه في الجسم ونحن نعلم أن تلات تربع جسم الإنسان يتكون من المياه، وهي تزيد مع البحار، وتؤثر على مزاج الإنسان، وصيام هذه الأيام من كل شهر تؤدي إلى تجفيف هذه المياه وتحد من آثارها السلبية على مزاج الإنسان، وهي طاعة وصيام هذه الأيام مع الاتنين والخميس تقرب الإنسان من صيام نصف الشهر أى أن الإنسان المداوم على صيامها يصبح مثل نبي الله داود الذي كان يصوم يوم ويفطر يوم وقاله عنه النبي أفضل صيام.
أما عن البيئة في مصر فمن الشرق سيناء، وهي تشبه إلى حد كبير بيئة دول الخليج، ويسكنها بدو يعيشون على رعي الماعز والإبل والسياحة ويسكنون في مساكن من الخيام وهي مصنوعة من أصواف الغنم وشعر الجمال وهي مناسبة جدا للبيئة الصحراوية، ولما كانت تصادف والشيخ سالم يعزمنا في خيمته وعندما ندخل الخيمة تشعر فيها بجو طبيعي مثالي وتبقى مستمتع بها ومش عاوز تسيبها.
وفيه بيئة ما بعد أسوان وهي بلاد النوبة وقد استوحى المعماري المصري حسن فتحي تصميما لبيوته المقبلة من تصاميم أهل النوبة، وهي تشبه المقامات التي يدفن فيها أولياء الله (الأضرحة).
بلدنا فيها مقام ذات قبة وكان في عز الحر يكون طراوة بطريقة غريبة لدرجة أن البلد كانت تعتقد أنها بركة صاحب الضريح وكان فيه واحد في البلد عندنا ينزل من شباك الضريح وينام فيه في عز الحر وهو يتغطى من السقعة ولما كبرنا عرفنا أن الشمس لا تكون عمودية على القبة ودا اللي بيخليها طراوة بعكس المباني الخرسانية اللي بيكون آخر دور معرض للشمس وتسقط عليه بشكل عمودي مما يجعل الشقة كأنها جهنم.
البيوت الفلاحي المصنوعة من الطين المسقوفة بالخشب تمتص حرارة الشمس ويبقى البيت طرائف في عز الصيف والحر.
المفروض كنا طورنا بيوتنا بنفس مواد البيئة المتوفرة زي مساكن اليمنيين المبنية من الطين وترتفع عشر طوابق وبها دورات مياه، وقد شاهدت في ألمانيا قالب من الطوب اللبن تم تطويره ليناسب بيوت الفلاحين ولكن سبق السيف العزل وتم استخدام الحديد والأسمنت في بناء منازل القرية كي تستوعب الزيادة السكانية المتزايدة. والغريب أننا قد نقلنا تصاميم المساكن الشعبية من الاتحاد السوفيتي القديم بنفس مشاكلها لتصبح غير ملائمة للبيئة المصرية، وكمثال على ذلك: هذه المساكن في روسيا ليس لها نوافذ تهوية في اتجاه الشمال ويأتي منها الثلج وهنا في مصر مكنش لها منافذ تهوية بحرية فكانت جهنم في الحر. أما في الغرب فإن هذه المناطق تشبه جو شمال أفريقيا وتستخدم الخيام عندما يكون السكان بدو.
أما المدن الجديدة الصحراوية فإن المساحات الخضراء تكون كبيرة والمباني بسيطة لكي يتم التغلب على الطقس الحار وهي تستهلك كميات كبيرة من المياه لهذا الغرض.

بقلم أ.د/السيد محمد راشد أستاذ جامعي سابق