الطريق
جريدة الطريق

مفتي الجمهورية لـ«الطريق»: الامتناع عن التصالح في مخالفات البناء حرام شرعا

مفتي الجمهورية
حوار- محمود طالب -

علام: أداء الصلاة في مسجد مقام على أرض زراعية غير جائز

تحويل «آيا صوفيا» لمسجد لعبة سياسية.. والصلاة فيه لا تجوز

لقاءاتي بالمعزول كانت برتوكولية.. والدولة فقدت هيبتها أثناء حكم الإخوان

كتب التراث ليست مقدسة.. والتحرش جريمة وعقابها عند الله أليم

واجهنا كورونا بالفتاوي عن الإجراءات الوقائية وبيان طبيعة العبادات وكيفيتها فى زمن الوباء

 

 

قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، إن تحويل كنيسة «آيا صوفيا»، إلى مسجد لعبة سياسية، أراد من خلالها الرئيس التركي تحقيق مكاسب وأطماع سياسية، لعرض نفسه بطلًا يزعم أنه يحمي المقدسات الإسلامية ويحيي عظمتها، كاشفا أن الصلاة في المسجد لا تجوز شرعا.

 

وأضاف علام في حوار لـ «الطريق»، أن الامتناع عن التصالح في مخالفات البناء حرام شرعا، مشددا على أن الصلاة في مسجد مقام على أرض زراعية، وإلى نص الحوار:

 

*بداية... ما هي أبرز أنشطة ومشروعات دار الافتاء الفترة المقبلة؟

دار الإفتاء المصرية حرصت خلال الفترة الماضية، منذ انتشار جائحة فيروس كورونا، على أن تتعامل مع الوضع بعقلية منضبطة، واستفادت من الماضي في مواجهة هذا الوباء، فأصدرت عديد من الفتاوى، التي تحث فيها المواطنين على ضرورة اتباع الإجراءات الوقائية التي اتخدتها الجهات المسئولية، وبيان طبيعة العبادات وكيفيتها فى زمن الكورونا، وعددًا من الفتاوى الأخلاقية التي تبين التعامل الأمثل فى ظل هذه الجائحة.

كما أصدرت الدار كذلك كتاب: «فقه النوازل»؛ من أجل تقديم معالجة شرعية وإفتائية للكثير من المسائل والاشكالات التى استجدت مع ظهور جائحة انتشار فيروس «كورونا» المستجد.

 

وتم في هذا الكتاب تناول جل الجوانب التي يمكن أن تتأثر بهذا الوباء، بدءًا من الموقف العقدي، إلى الجانب الروحي، إلى الأداء الشعائري، إلى التناول الفقهي، إلى السلوك الأخلاقي إلى الحراك الاجتماعي، إلى التفاعل الوطني، إلى الالتزام القانوني وغير ذلك مما يحيط به من أحوال وظروف فردية ومجتمعية ووطنية ودولية.

هذا فضلًا عن أن الدار منذ بداية أزمة كورونا وضعت خطة عمل بديلة لمواكبة الحدث والتواصل مع الجمهور بطرق مبتكرة، وبالفعل اضطلعنا بدورنا، ونجحت دار الإفتاء المصرية، في ملء فجوة الفتوى في ظل جائحة كورونا، من خلال عدة طرق لاستقبال الأسئلة الشرعية على علماء الدار وذلك من خلال الخط الساخن للفتاوى والتواصل مع أمناء الفتوى من خلاله، وكذلك تكثيف ساعات البث المباشر من خلال الصفحة الرسمية لدار الإفتاء على موقع فيس بوك، فضلا عن التركيز على تفعيل دور الفتوى الكترونية من خلال موقع وتطبيق دار الإفتاء المصرية، وقد قامت المؤسسة بدورها الديني والوطني على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي في كل الأزمات من منطلق أن الوقوف إلى جانب الوطن في وقت الشدة واجب شرعي، وهو ما ظهر جليا من خلال ما حققته صفحات دار الافتاء على مواقع التواصل الاجتماعي حيث حققت الصفحة 42 مليون مشاهدة خلال شهر رمضان، والتفاعل 36 مليون، كما حققت زيادة في عدد المتابعين نحو 260 ألف متابع.

 

* هل ستعقد الأمانة العامة لدور الإفتاء مؤتمرها السنوي هذا العام؟

 

للأسف تحول الظروف بسبب جائحة انتشار فيروس كورونا هذ العام دون عقد مؤتمرنا الدولي السنوي، والذي كان من المقرر عقدة منتصف شهر أكتوبر المقبل، وذلك رغم الاستعدادات التي بدأت على قدم وساق قبل عدة أشهر للإعداد لهذا المؤتمر.

ونأمل أن تتحسن الظروف لكي نستكمل مسيرة البناء والتجديد والتطوير في المجال الإفتائي، ومناقشة الإشكاليات والتحديات التي تواجهه.

 

* كيف تلقيتم نبأ تحويل كنيسة أيا صوفيا لمسجد؟

يجب النظر إلى هذا التحويل في سياق الهدف السياسي الذي حدده أردوغان، فقرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تحويل آيا صوفيا إلى مسجد هو عبارة عن لعبة سياسية لتحقيق مكاسب وأطماع سياسية، لعرض نفسه بطلًا يزعم أنه يحمي المقدسات الإسلامية ويحيي عظمتها، وقضية تحويل آيا صوفيا إلى مسجد طُرحت منذ عقود، بيد أنها ظلت أداة وسلاحًا دعائيًّا بيد مختلف السياسيين في حملاتهم لاستقطاب الناخبين، لا سيما المتدينين منهم، وقد بُنيت آيا صوفيا، ككنيسة خلال العصر البيزنطي عام 537 ميلادية، وظلت لمدة 916 سنة حتى احتل العثمانيون إسطنبول عام 1453، فحولوا المبنى إلى مسجد.

وفي عام 1934، تحولت آيا صوفيا إلى متحف بموجب مرسوم صدر في ظل الجمهورية التركية الحديثة، ومع توظيف النظام التركي لشعارات تسييس الدين، عاد موضوع تحويل آيا صوفيا إلى مسجد ليصبح سلاحًا انتخابيًّا بيد أردوغان وجنوده يرفعونه كلما احتاجوا إلى أصوات العامة من الناس.

 

* ما هو حكم الصلاة في مسجد أيا صوفيا؟

تحويل تركيا لكنيسة «آيا صوفيا» إلى مسجد لا يجوز شرعًا، فالإسلام أمرنا بالحفاظ على شرائع الديانات الأخرى، فيجب الحفاظ على الكنائس كما هي، ولا تحول إلى المساجد، والعكس لا تحول المساجد إلى كنائس، وقد ضرب الصحابي الجليل وثاني الخلفاء الراشدين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لنا المثل في ذلك حيث امتنع عن أداء الصلاة بداخل كنيسة القيامة في القدس، خوفًا من تحويلها لاحقًا إلى مسجد على يد المسلمين، ظنًا منهم أنها حقّ لهم، ولنا فتاوى عديدة في هذا الشأن، وقمنا بإصدار بحث شاركت فيه مع وزير الأوقاف في كتاب بعنوان "الحفاظ على دور العبادة في الإسلام"، وانتهينا إلى تفرد التجربة المصرية في هذا الإطار.

 

* ما هي أبرز المواقف التي حدثت لفضليلتكم أثناء فترة حكم الإخوان؟

خلال تلك الفترة التي سبقت ثورة 30 يونيو المجيدة وتحديدًا خلال فترة حكم جماعة الإخوان لم أشعر بهيبة الدولة عند دخولي القصر الرئاسي وقت حكمهم، وكانت لقاءاتي بالرئيس المعزول الراحل داخل القصر مجرد لقاءات بروتوكولية، ولم أشعر بإدارة حقيقية للدولة المصرية وقتها، فكر الإخوان غريب على البيئة المصرية؛ ولذا لم تنجح جماعة الإخوان في احتواء الشعب المصري، ولا الاندماج معه؛ لأن فكرهم ومنهجهم قائم على الاستعلاء والاستكبار.

 

* الرئيس السيسي تحدث مؤخرا عن مخالفات البناء.. وأصدرت الدار بيانا عن حكم بناء المساجد على أرض زراعية.. فما هو حكم الصلاة في مسجد مقام على أرض زراعية أو أرض ملكية عامة؟

بِناءَ مسجدٍ على أرضٍ زراعيةٍ بالتحايل على القانون أو بمخالفته أمرٌ غيرُ جائزٍ شرعًا، والحرمة أشد لو كان ذلك ذريعةً لاستِباحة ما حوله من الأراضي الزراعية المحظور البناء عليها ببنائها، وليس لله تعالى حاجة في بناء بيتٍ يضر مصالح عباده واقتصادهم ولا يقصد به وجهه، ولا تجوز الصلاة في هذا المسجد، مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.

*الدولة تتولى الآن ملف في غاية الأهمية وهو التصالح في مخالفات البناء.. حكم الامتناع عن التصالح في مخالفات البناء؟

من القواعد التي قررتها الشريعة أن درء المفسدة مُقدَّمٌ على جلب المصلحة، كما أن الشريعة قد راعت ترتيب المصالح وترتيب المفاسد عند التعارض، وترتيب المصالح يكون بتقديم أكثرها نفعًا، كما أن ترتيب المفاسد يكون بتقديم أقلها ضررًا، ومِن ثَمَّ قَدَّم الشرع تحصيل مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد عند التعارض، كما قَدَّم دفع المفسدة التي تلحق بالمجموع على دفع المفسدة التي تلحق بالفرد عند التعارض، والأراضي الزراعية عماد الاقتصاد المصري، والبناء عليها يُعَدُّ إهدارًا واضحًا للثروة الزراعية في مصر، ومساحة الأراضي الزراعية في مصر لا تتجاوز 4% من إجمالي أرضها، وهذه المساحة ضئيلة لا تفي بحاجة أهل مصر، ولا تحتمل النقصان بحال، ونقصانها يترتب عليه ضررٌ على المجتمع كلِّه، ويزيد من مصاعب الوصول للاكتفاء الذاتي؛ حيث يؤكد الخبراء أن مصر بحاجة إلى زيادة مساحة الأراضي الزراعية إلى الضِّعف حتى تصل إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، كما أن تقديم مصلحة الجماعة واعتبار المآلات يقتضي وجوب التنبه إلى الفساد الذي يمكن أن يسببه التساهل في البناء على الأرض الزراعية، وما يستتبع ذلك من إضعافٍ للاقتصاد القومي.

 

ومن المقرر شرعًا أن للحاكم تقييد المباح؛ وذلك لأنه هو المنوط بتقدير المصالح وتحقيقها، ولَمَّا كان للثروة الزراعية أهميتها، للنهوض بالوطن ومصلحة أفراده وتحقيق الاكتفاء الذاتي لهم مَنَع وَلِيُّ الأمر البِناء على الأراضي التي يتحقق بها هذا المراد، ووجب على الأفراد الامتثال لهذا المَنْع، وكان عصيانهم حرامًا شرعًا.

* بين الحين والآخر يتحدث البعض عن كتب التراث... هل هي مقدسة... وهل يجب تنقيحها أم لا؟

كتب التراث ليست مقدسة، والفتوى لابد أن تراعي المصادر الشرعية والواقع المعيشي، وتكون سببا في الاستقرار وهداية الناس، وإذا خرجت عن هذه الضوابط كانت فتوى شاذة، والتجربة أثبتت على مر القرون أن من يطالع الجهد الذي بذله هؤلاء الأئمة في بيان أحكام شرع الله ليدرك كم يجب علينا أن نحفظ مذاهبهم ونعتني بها وننتسب إليها، ولماذا ندعو الناس إلى ذلك، إن هذه المذاهب حفظت لنا الدين وحملت عنا عبء طول النظر والاستدلال الذي يستغرق سنوات وسنوات من الجهد المضني والتعب الشديد، وحفظت علينا العبادات والمعاملات وكل شؤون الحياة نؤديها ونحن مطمئنين إلى صحة ما ورد إلينا من أقوالهم فيها مع ما اشتملت عليه من اختلاف في طرق الاستدلال وتباين وجهات النظر، وكل هذا لا يمنع من التفاعل مع ما يقع من حوادث ومستجدات، فهذه المذاهب تركت لنا المناهج التي تتيح لنا التعامل مع الواقع وفق مراد الشرع الشريف، إن عقلية المذاهب والمدارس الفكرية مهمة جدًّا، صغرت تلك المذاهب والمدارس أو كبرت؛ لأنها تنشئ فكرًا منتظمًا متسقًا له غايات واضحة على مدى زمني طويل، فتحقق تراكمًا وإنجازًا علميًّا، وتمكن من المراجعة والتقويم باستمرار، مما يمنح هذه المذاهب والمدارس مكانة وإمكانية في التعامل مع النصوص الشرعية والوقائع الحادثة بالمجتمع.

 

ومن العسير على النفس - فضلًا عن الواقع العملي - التفريط في هذا التراث العلمي المتراكم عبر القرون بدعاوى حرية الرأي والتفكير، وعلى الجميع أن يطالع هذه الكتب الفقهية من أمهات الكتب ليدرك حجم الجهد المبذول فيها.

 

* كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن التحرش.. من وجهة نظركم من السبب في انتشار هذه الظاهرة؟

التحرش بعيد تماما عن الأخلاق والقيم التي تربت عليها الأسر المصرية، العربية، المسلمة، بل والإنسانية على وجه العموم.

دار الإفتاء المصرية أصدرت فتاوى عديدة جدًا في هذا الخصوص، وعلى رأسها فتوى صدرت عام 2013، بأن التحرش من الجرائم المنكرة وعقابه أليم عند الله سبحانه وتعالى، وفي هذا الخصوص نحتاج إلى أن نعيد النظر ونذكر الناس بوضع المرأة في التشريع الإسلامي، حيث أنها أخذت حيزًا في زمن الرسالة، حيث انتشلتها الشريعة الإسلامية من مكانة مهينة وكرمتها تكريمًا لم يرتقِ إليها أي تشريع بعد، وتطبيق القانون تطبيقا صارما علاج لمسألة التحرش وغيرها من المسائل السلبية، ولا يوجد ربط في تبرير التحرش بين ملابس المرأة والتحرش بها.