الطريق
جريدة الطريق

كورونا النجوم

طارق سعد
-

لا شك أننا نعيش أوقات بائسة وظروف استثنائية قاسية لم يشهدها الكوكب من قبل فكوكب الأرض الذي كان يتم وصفه هزلاً في الـ "كوميكس" بـ "عرة الكواكب" أصبح بالفعل "عرة" بعدما ضربه كاملاً فيروس "كورونا" وانتشر في جميع أرجائه دون مصل أو لقاح أو حتى علاج وأصبح سكانه حبيسي البيوت ثم الكمامة وربما يعودون للتقوقع في منازلهم مرة أخرى في أي وقت.

 

للأسف ورغم كل هذا البؤس الذي نعيش فيه والمغلف بالرعب كان الأجدر أن نتحصن بالحذر الكافي إلا أن بعد استقرار الأوضاع بشكل "صوري" وانخفاض حدة الفيروس أصبح الاستهتار واللامبالاة أسلوب حياة فهزم التساهل الحذر وأصبح معظمنا يمارس "الاستهبال" ويعيش "بالدراع" دون احتراز أو قلق.

 

أما المؤسف قولاً وفعلاً أن يكون على رأس قائمة المستهترين مَن هم من المفترض أن يكونوا قدوة يتبعها العامة ويقلدها كالعادة فالطبيعي والمتعارف عليه هو تقليد النجوم في تصرفاتهم وبعض أعمالهم الفنية لشهرتم وتأثيرهم الكبير على عموم الجماهير نتيجة للوهج الذي تبثه الشاشة لهم فيسيطر ويفرض أسلوبه في غالبية الأوقات ولكن كان للنجوم والفنانين من الفئات الأخرى رأياً آخر فأصبح الجميع يتعامل بلا أية إجراءات احترازية ويراهم الجمهور "عمال على بطال" في كل المناسبات يتحركون ويتعاملون بمنتهى الأريحية دون أية محاذير " فأصبح الجمهور يراهم "على راحتهم عالآخر" لينتقل إليه شعوراً تلقائياً بأن الفيروس انتهى والحياة عادت لطبيعتها و"الدنيا فُل" ليسير في نفس الركب متأثراً ويتعامل مع الفيروس أنه ذكرى!

 

لم يتوقف الأمر عند النجوم ولكن انتقل الاستهتار إلى مراتب أعلى ليصيب الكبار من منظمي الاحتفاليات الفنية والمهرجانات المتخصصة وما شابه ليشاهد الجمهور تجمعات النجوم على شرف "الاستهبال المجتمعي" واغتيال الإجراءات الاحترازية على الملأبالأحضان والقبلات "على عينك يا تاجر" وكأننا في زمان آخر ليضرب البعض كفاً بكف ويتعامل البعض الآخر بمنطق "آهو .. الناس فُلة شمعة منورة" ليتم اغتيال كل مجهودات الحكومة ووزارة الصحة بنيران صديقة على الهواء مباشرة.

 

بالطبع كانت نتيجة متوقعة بإصابة أعداد من مرتادي هذه التجمعات بـ "كورونا" والذي لا يُفرق بين النجوم وغيرهم فلا يحمل لكل مقام مقال ولكنه يصيب "عمياني" وكان من المتوقع والطبيعي أيضاً أن يقوم المسئولون عن هذه التجمعات بغسل أياديهم من تلك الإصابات والتأكيد أنهم احترزوا وغير مسئولين عن التصرفات الفردية فبعد أن انفض الفرح .. ليذهب الجميع إلى الجحيم!

 

أصبح الأمر شديد الخطورة ولا يجب الانتظار حتى وقوع المصيبة لنفيق ونتعامل بجدية فالمسئولية لا تباع ولا تشترى ولكنها سمات شخصية وترتبط بمواقع أصحابها وهو ما لم ينتبه له حتى الآن معظمهم.

 

لم يكن "كورونا الفيروس" وحيداً الذي ضرب النجوم .. ولكن ضربهم "كورونا" مختلف من نوع آخر لا يقل فتكاً يصيب النفس وينهي تدريجياً على المصاب دون وعي ولا تستطيع علاج تبعاته وهو "الغرور" الذي يصيب كثير من الفنانين نتيجة النجاح المفاجئ وغير المتوقع فيسبب لهم هزة نفسية تنتج تصرفات غير مسئولة مع المحيطين تدفعهم للابتعاد عنهم وقد يمتد لابتعاد صناع الأعمال الفنية بعد أن يشعروا أن النجم "شاف نفسه" و"نسي نفسه" فتنفض من حوله الهالة ويكتشف أنه أصبح وحيداً بلا مأوى فني.

 

"الغرور" .. الفيروس المدمر الذي دفع المخرجة الكبيرة لمهاجمة بعض نجوم عملها الشهير الذي حقق نجاحاً ساحقاً والذين قامت بصناعة نجوميتهم من خلاله وأصبح يشار لهم بالبنان فقامت بضرب "كرسي في الكلوب" ليسارع كل منهم بمحاولة إبعاد التهمة عنه حتى لا يخسر جمهوره ومستقبله الفني بعد اكتشافهم أنه بـ "100 وش" ولكنها ترفض هذه المحاولات وتصر على رأيها دون ذكر أسماء وتعود لتحدد عددهم وهما "2 .. إتنييييين" بصوت النجمة سهير البابلي في مسرحية ريا وسكينة.

 

أكبر خطايا النجوم الجدد هو "الغرور" الذي يصيب بعضهم بعد الإشادات الكبيرة بهم فتناطح رؤوسهم السحاب ويطيرون من على الأرض دون الانتباه لخطورة التعالي و"عيشة الدور" حتى يفيقون على ارتطام الطير الذي طار وارتفع ثم كما طار وقع!

 

"كورونا النجوم" هو المنافس غير الشرعي لـ "كورونا الفيروس" .. فقط يشتركان في أنهما الاثنان ليس لهما علاج ولا مصل ولا لقاح .. فقط إجراءات احترازية.