الطريق
جريدة الطريق

إعلام الدجال

طارق سعد
-

ليس سراً ولا يخفى على أحد ظهور "المسيخ الدجال" في نهاية الزمان، ينشر الفتنة وتنقلب معه الحقائق والثوابت، يتشبه بالمسيح عليه السلام، والحقيقة أنه مجرد مسخ يعيث في الأرض فساداً ويُخرج الناس من دينهم متحصناً بقواه التي تفوق الطبيعة، يعبد نفسه ويرى نفسه والعياذ بالله أنه الإله الأحق والأولى بالعبادة، يرى الحياة بعين واحدة يملكها، بها ما يريد دون أي اعتبار لما هو واقع، فالحقيقة عنده واحدة بعينه الوحيدة بما تخدم أغراضه وأطماعه.

وجود "الدجال" يلزمه أتباع حتى يستمر في كذبه وتدليسه وقلب الحقائق، فـ "أتباع الدجال" هم الأخطر من "الدجال نفسه" لأنهم مَن يروجون أكاذيبه ويساعدونه في نشرها فتزيد بهم الفتن والأذى، فلولا وجود الـ "أتباع" ما كان "الدجال".

قوة "الدجال" الحقيقية ليست في حصانته بقوته فقط، ولكنهم أتباعه الذين يصدقونه بلا تفكير ويسلمون عقولهم له بعدما طبع الله على قلوبهم وأعمى بصرهم وبصيرتهم.

هذا ما سيحدث فعلياً في نهايات الزمان، ليبقى الفصل الأخير بعدها وتُكتب كلمة النهاية، ولكن بين أجيال تسمع وتقرأ عنه، وبين ساعة الظهور، يتوالى علينا من يمهدون لظهوره، فتعيش وتتعايش مع قوانينه التى ألفها وصنعها منذ أن أله نفسه، ويصارع بها البشرية منذ تحالفه مع الشيطان، ليحكم بها العالم ويُنصِّب نفسه بالقوة والفتن إلهاً عليه، فـ "الدجال" هو أصغر مؤلف قانون!

لم يهدأ "الدجال" أبداً فشهوة السلطة والحكم من أعلى تملكته منذ الصغر، يسابق الزمن دائماً للتخلص ممن حوله وإثبات قوته باستمرار بزرع الفتن والتناحر والتقاتل، بالكذب والتدليس يشعل النيران حول خصومه، وبالطعن والخوض في الأعراض يعمد تصفيتهم منتشياً دائماً بقوته وحصانتها له التي جعلت فكرة الاقتراب منه انتحاراً رسمياً، فهو ماهر في زرع هذه الفكرة في وعي المحيطين، إرهاب من نوع خاص يتقنه حتى يستمر ويستفحل ويتوغل، ويتوغل.

صنع "الدجال" لنفسه إعلامه الخاص، يديره ويشرف عليه بنفسه، يضع تشكيله بنفسه، يلعب كل الأدوار، يمرر به كل أكاذيبه، ينهش في شرف خصومه، يهدد ويتوعد، يفضح، ويفضح، ويفضح، فالاقتراب منه صعقاً أليماً ليستمر دون رادع ولا رقيب ولا محاسبة، الكل يتودد له خشية على استقرار حياته ويضحك على ألاعيبه وأكاذيبه التي يتنفس بترويجها، حصانة من نوع خاص جعلت الاقتراب منه خطان باللون الأحمر.

"أتباع الدجال" هم الطامة الكبرى، فهم من خلعوا عقولهم وأبدلوها بـ "نعال"، فكل أكذوبة جديدة يرونها بعينه الوحيدة ويهللون لها وينشرون بها التضليل والفساد الأخلاقي والقذف بالباطل، فهذا سارق وهذه عاهرة وهذا ابن حرام، و"أتباع الدجال" كالقطيع يهرولون خلفه يهللون له يساعدونه في الطعن والكذب والتدليس ويتعاملون مع كل كلمة ينطقها أنها الحقيقة المجردة، فهذا "الدجال" هو إله السب والطعن عند أتباعه.

"ليلة سقوط الدجال" صفحة جديدة بعد نهاية لم يضعها فكرة في خياله، فحصانته أقوى من السقوط، حصانته تمنحه الحياة بلا نهاية، فعندما أله نفسه نسي الإله الحقيقي القوي الجبار ذو البطش العظيم الذي له الكلمة العليا وكل من عليها هو خلقه، وضع بداياتهم ملاصقة تماماً لساعة نهاياتهم، فيسقط ولا يستطيع تصديق سقوطه، يراها كذبة واحتيالاً لأنه يملك إعلامه الكاذب المضلل الذي يقذف به محصنات الحقائق، فحتى السقوط لا يراه وبعين واحدة يستمر للنفس الأخير يروج له بأنه نصر عظيم.

"ليلة سقوط الدجال" ليست نهايته فقط، ولكنها نهاية "أتباع الدجال" الذين سجدوا له وكانوا حصانته، أذرعه لنشر الأكاذيب وتثبيتها، سقوط "أتباع الدجال" هو السقوط الأعظم بعدما رأوا رئيسهم يتهاوى بعكس ما خيَّل لهم ليفيقوا بصاعقة تضرب رؤوسهم لا يصدقون أيضاً لحظة النهاية وبحلاوة الروح في محاولة يائسة وبعين واحدة يرددون ببلاهة آخر أكاذيبه بأنه صاحب النصر.

ليلة سقوط "الدجال" ليلة سقوط أتباع "الدجال"، ليلة سقوط "إعلام الدجال" البذيء لتهدأ الحياة وتُغلق صفحات هي الأسوأ في تاريخها.

مهما كانت الأسطورة فلها نهاية ..

تقوم فيها قيامتها لتواجه أعمالها في وقت لا ينفع فيه ندم ولا توبة.. فقط "الحساب".