الطريق
جريدة الطريق

المرأة بين مطرقة الأمومة وسندان العمل

-

"امرأة منزوية في المنزل، ومحجبة في الشارع، تقوم على رعاية الأطفال طوال اليوم، وفي المساء تتعطر بأزكى الروائح في انتظار أمر سيدها". 

تلك هي الصورة التي يرى بها الغرب (وأحيانًا بعض العرب) المرأة المسلمة، أو المرأة الأم بوجه خاص، ويُحاول ترسيخها بوسائل شتى: من مسلسلات وأفلام وأدب.. فتلك المرأة التي أنجبت عدة أطفال وأوقفت نفسها على تعليمهم بدلًا من الاهتمام بمستقبلها، هي امرأة ضعيفة العقل ومنغلقة وبلا أي شخصية.

ونتيجة لهذا الأمر ظهرت حركات كثيرة بدعوى انتشال تلك المرأة من الظلم الذي يمارسه عليها الجانب الذكوري في المجتمع، فظهرت مصطلحات ثقافية كثيرة مثل: مصطلح النسويّة، وتحرير المرأة، والمساواة بين الجنسين، والنظام الذكوري، والأنثويّة.. تدعو كلها إلى تحرير المرأة، وهو ما يعني قبل كل شيء، فكرة استقلال المرأة بناءً على حرية عملها خارج المنزل.

ومن ثم أصبحوا يقللون من شأن الزواج، وأُجريت دراسات كثيرة وُصفت فيها الزوجة بأنها الأكثر تعاسة والأكثر عرضة للاكتئاب من بين أفراد المجتمع، كما وصل الأمر إلى رفض الأمومة والإنجاب، والهجوم على الدين الإسلامي بدعوى أنه ظلم المرأة..

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا يقلل العالم (الغربي/ العربي) من شأن المرأة الأم؟

قصّر المجتمع بشكل كبير في قضية التقدير لأهم دور من أدوار المرأة، وهو دور الأمومة، في حين ينال دور المربية في رياض الأطفال والمعلمة في المدارس كل التقدير.. وهو ما يضع أيدينا على الإجابة، وهي محاولة جعل المرأة جزءًا من صيانة عجلة الاقتصاد والإنتاج وخدمة المجتمع الاستهلاكي، وليس الأمر راجعًا إلى الشعارات الكاذبة التي يرددها دعاة تحرير المرأة، وسنفهم ذلك جيدًا عندما نلقي نظرة على اقتصاديات العالم المعاصر، ذلك العالم الذي ظل يُفهّم المرأة: ليس عليكِ أن تنجبي الأطفال وتربّيهم، بل يجب أن تكوني طبيبة ومعلمة وصحافية ومديرة أعمال..

على سبيل المثال: في أمريكا تُقدّر الأيدي النسائية العاملة بنسبة 32% في وظائف كلها هامشية وبإمكان الرجل القيام بها، في حين أن الوظائف الهامة تشغل منها النساء فقط 5% من أصل 32%. وهذا دليلًا كافيًا على أن المجتمع الغربي ما انتقص من الأمومة إلا لمحض الاستفادة في عملية الإنتاج وتكريس ما يحتاجه المجتمع الاستهلاكي.  

والحقيقة أن هذا النوع من الانتقاص لا يقل خطرًا عن ذاك الذي يمارسه المجتمع العربي، وذلك عن طريق تقييد العمل النسائي بأدلة شرعية، يلبسها لباس العرف والتقاليد، والذي يبدو من بعيد دينيًّا، ولكن الدين بريء من كل هذا، فالإسلام قد كفل للمرأة حقها في العمل، استنادًا على ضوابط تحفظ لها احترامها وشخصيتها وقيمتها.

وأنا في كل هذا لا أنتقص من دور المرأة العاملة، فالإسلام قد أعطاها هذا الحق، وهناك أدلة كثيرة من عصور الإسلام المختلفة التي شاركت فيها المرأة إلى جانب الرجل في الجهاد والحياة الأدبية...

ولكن الفكرة تكمن في خلق الموازنة، فالنظر إلى المرأة الأم والمرأة المربية لا بدّ أن يُعطى التعظيم الذي يناسبه، دون إغفال لدورها في الكثير من الوظائف، سواء أكانت إدارية أو تربوية أو خدماتية، بشكل يستوعب التنوع بينها وبين الرجل، كلٌّ حسب ما يملك من خصائص ويتمتع به من اختلاف.

وأخيرًا، لا يمكن الدفاع عن امرأة هي نفسها مَن تقلل من قيمتها.. أليست المرأة التي أنجبت وربّت طفلين أو ثلاثة قد ترى نفسها أحيانًا أقل قيمة من مهندسة أو طبيبة أو موظفة؟! من حق كل أم أن تفخر بكونها امرأة، وألا تترك نظرة المجتمع السلبية والعادات والتقاليد تؤثر عليها.

وفي النهاية، أحب أن أورد هذا النص للفيلسوف الإسلامي ورئيس جمهورية البوسنة والهرسك سابقًا، علي عزت بيجوفيتش: "على المرأة المسلمة أن تُنجب وتُنشئ جيلًا جديدًا وتُرضعه بالثقة في الإسلام والمستقبل، ويمكنها أداء هذا الواجب فقط إذا كانت متعلمة وسامية الأخلاق".