الطريق
جريدة الطريق

ضحايا الأمل

حسام مصطفى إبراهيم
-

القوة المصطنعة التي ندَّعي امتلاكها طول الوقت، سيأتي وقت وتتفتت تمامًا، بسبب موقف تافه لا يستحق الذِكر، أو أمر عشوائي لا معنى له، لأن البني أدمين مثل الحقائب لهم مساحة وسعة تحميل، إذا ما وصلت إلى الحد الأقصى، لا بدّ من التخلص من بعض الأغراض لتحميل غيرها!

ولكننا للأسف لا نفعل هذا وإنما نستمر في التحميل والضغط والتكديس ووضع الأشياء فوق بعضها؛ المهمة وغير المهمة، الجوهرية والهامشية، الأصلية والمزيفة، حتى تأتي لحظة الانفجار العظيم، اللحظة التي ربما يكون من المستحيل أن تعود حياتنا بعدها إلى ما كانت عليه!

ولعل مشكلتنا الحقيقية أننا غير قادرين على استيعاب مدى هشاشتنا، مدى ضآلة حجمنا في كون الله متّسع الأطراف والمدى والتحديات، مدى صعوبة اللعبة وترامي أطراف المتاهة، وضيق الوقت وقصور البصيرة ونفاد الحيلة، فنزجُّ بأنفسنا في أي تجربة، وكل تجربة، دون أي حسابات منطقية، أو احتمالات للفشل، أو استعداد للحظة الملامسة، بوهمٍ زائف كل مرّة: أننا مختلفون وواعون ومسيطرون، ولا يمكن أبدًا أن يحدث لنا ما حدث للآخرين!

ونظل -لآخر لحظة- متمسِّكين بإصرارنا المميت على إيلام أنفسنا، ومحاولة الدخول من الأبواب المغلقة، وإحياء العلاقات الميتة اللي تعفَّنت وتآكلت، وتحميل أنفسنا ما لا نطيق ولا نفهم، ووضع ذواتنا في مواقف محرجة ومُفكِّكة للأوصال، ونحن نظن أننا قادرون على أخذالأشياء بالعناد والإصرار الأبله دون أي استحقاق! معتقدين في صدق المثل الساذج "طُولة العمر تبلّغ الأمل" وننتظر لحظة تحوّل درامي كبيرة سوف تحدث فجأة -من أجل سواد عيوننا!- فتقلب جميع الحسابات لصالحنا!

مع أننا نكون على وعي تام بكل شيء منذ البداية، وفهم لحدودنا وإمكانياتنا وما يجب أن ننتظره في النهاية، لكننا نتجاهل ونتغافل، نُغلق أعيننا عمدًا ونتعاطى المسكّنات والمُشهّيات، ندير وجوهنا إلى الناحية الأخرى ونكابر وندور في الساقية، ندور، وندور، وندور، حتى يحقّ علينا القدر المرصود!

إننا ضحايا الأمل والجوع للونس والخوف من غدٍ والرغبة في التحقق والوجود، ضحايا أحلامنا وغرائزنا وجيناتنا ومخاوفنا وفضولنا ووجعنا وماضينا وتجاربنا السلبية ومحاولات النجاة وحفر ثقب في جُدُر صلبة مُصمَتة لا تبالي بنا قيد أُنملة، ضحايا الإرادة والحرية وتعدّد الخيارات وغياب المرشد وطول المسير!

ضحايا أنفسنا!