الطريق
جريدة الطريق

مقال| الأنبا والقانون الهمايوني

الكاتب خليل الزيني
خليل الزيني -

شاء الله أن أكون هاويًا للكتابة ومهندسًا بالدراسة وموظفًا في الحكم المحلى بالوظيفة، وطوال الوقت أحاول أن أوازن بينهم ما استطعت.

في أوائل الألفية الجديدة، تقريبًا عام 2006 ظهر في مصر رجل يطالب بإنشاء كنيسة جديدة في القلعة، وإثر هذا يمكنه تكوين طائفة جديدة غير الموجودة في مصر، لكنه لم يتمكن بسبب خضوع الكنائس للقانون الهمايوني.

وكانت مدينة " " بالدقهلية بها كنيسة كبرى تحتاج إلى ترميم، ولا يمكن الترميم إلا بإذن من رئيس الجمهورية أو من ينوب عنه طبقا للقانون الهمايونى.

دخل الأنبا المكلف بإتمام إجراءات المعاينة متماسكًا، يتحرك بحيطة وترتيب ملحوظ. كنتُ موظفًا جديدًا لا أشغل بالي بخلفيات الأشياء، وجدت معاينة الكنيسة أصبحت من نصيبي.

سأل الأنبا -الذي عرفت أن اسمه لوقا- بهدوء:

ـ متى المعاينة لأمر عليك ونخرج وتكتب تقريرك؟

نظرتُ نحو زميلي المهندس وليد وسألته:

- جاهز؟

فأبدى موافقته الفورية، قلت للأنبا:

ـ هيا لنتم المعاينة الآن.

وفي الطريق، وبحب استعراض أو كسب للود سألت الرجل:

- هذه العباية السوداء التي ترتديها ما اسمها باللغة العربية؟

رد عليّ:

ـ غفارة.

ـ هذه ترجمة الشوام وليست ترجمة المصريين لزى القس.

نظر بجانب وجهه لي مندهشًا وسأل:

ـ وما اسمها المصري؟

ـ فراجية.

ـ برافو، صح كده.

ـ وأنت ما اسمك الدنيوي؟

ـ مدحت، والسؤال غلط، لو حابب تكرره قل "ما اسم القس بالميلاد؟".

وصلنا إلى الكنيسة والرجل مرتبك بخصوصي، لأنني مفتوح معه في الحوار بشكل عفوي بعيدًا عن الطائفية أو التعصب.

مسحنا الكنيسة في المعاينة إلى أن اقتربنا من "بيت الرب" كما أعرف، وكاد وليد يدخل بالحذاء فأمسكت به وثبته

وخلعتُ حذائي ودخلتُ أكمل المعاينة، وهنا تجّهم الأنبا لوقا وخلع حذاءه ودخل معي لأتم المعاينة.

سألته:

- ماذا تريد في قرار الترميم؟

- ماذا ترى؟

ـ المبنى في أتم حال وليس به ما يثير الانزعاج.

ـ المطلوب أعمال البياض والدهان فقط.

ـ تمام.. لا مشكلة.

وهنا دخل أحد صغار الرهبان متحدثًا بسخط وتبرم وضيق وانفعال ضد القانون الذى يمنع أهل المسيحية من الاعتناء بدور العبادة الخاصة بهم.

نظرتُ إلى الأنبا لوقا ووجهت له الكلام:

ـ لو لم يكن القانون الهمايونى وحماية الكنائس موجودًا لصار ماكسيموس ميشيل صاحب نيافة وله كنيسة وملة وطائفة.

انفعل الراهب الغاضب ثانيًا:

ـ ليس اسمه ماكسيموس، اسمه مكسيم ميشيل.

ـ تمام، لكن هل أوراقه الكنائسية تامة وتحقق له مأربه في إنشاء الكنيسة وما يترتب عليه من أثر؟

ـ مهندس، أنت إلى حد بعيد محق، ولولا أنني رأيتك تدخل "بيت الرب" حافي القدمين، لكان لي رأي آخر فيك، وأنت يا (يقصد الراهب) لو سمحت اسكت.

وخرجنا لنعود إلى العمل بسيارة الأنبا لوقا، فقلت له:

ـ عليك أن تشكر قانون الدولة العثمانية (القانون الهمايونى) الذي رد أرثوذكس الروس عن كنيسة الإسكندرية.

جمد الأنبا وصمت ولم يعلق، غير أنه أوصل المهندس وليد، وأصرَّ على اللف بالسيارة معي لندخل من الباب الأمامي إلى مقر العمل، ثم أخبرني أنه مهندس ميكانيكا في الأصل، كان ودودًا معي للغاية حتى أثار استغراب الزملاء.

جدير بالذكر أن مصر كلها كانت ترفض وجود ماكسيموس ومحاولته بناء هذه الكنيسة، وكان الأنبا شنودة أول من تصدّى له كاشفًا أنه مغرض في طلبه، وأن هذه الكنيسة لا يمكن أن تقوم لها قائمة.

للتواصل مع الكاتب