الطريق
جريدة الطريق

أم الشاشة

طارق سعد
-

"ست الحبايب يا حبيبة" .. كلمات ارتبطت تلقائياً بالأم فبمجرد سماعها لا تحتاج لتكملتها وتجدها تترجم فوراً معنى الأم لتصبح هذه الكلمات البسيطة في موجزها وبما يليها معبرة ببراءة وفي الإشارة للأم تتحول لـ "أم الكلام".

جرت العادة أن تكون الأم هي أساس كل شيء ولم لا وهي المحور الذي تدور حوله الحياة بكل تفاصيلها فيُنسب للأصل دائماً تعبير الأم فهنا أم الدنيا وهنا أم النور "السيدة مريم العذراء" وتجد أم الكتب وأم الحضارات وهناك اللوحة الأم والماسورة الأم وهكذا فدائماً إلصاق الأم بأي شئ يعطيه أهمية وقيمة ويجعله رئيسياً لكل ما يرتبط به كأمر واقع.

ومن الواقع لمرآة الواقع ستجد الفن عَكَس دور الأم وأهميتها فجسدت دور الأم مجموعة من النجمات حفرن اسمهن في التاريخ السينمائي وانتقلت منهن للدرامي ليحتفظ الأرشيف الفني بأم الأدوار بأسماء لا تنسى أصبحت رمزاً للأم على رأسها "أمينة رزق" ومعها "آمال زايد" ثم "هدى سلطان" و"كريمة مختار" التي صنعت حالة خاصة جداً لدور الأم تم تصنيفه باسمها وأصبحت منطقة مميزة تعبر عن الأم المصرية الأصيلة بكل تفاصيلها لاقترابها الحقيقي بشدة من كل هذه التفاصيل لتتحول "كريمة مختار" لرمز الأمومة الفنية للدرجة التي أبكت بها ملايين المشاهدين بوفاة شخصية "ماما نونا" التي قدمتها في مسلسل "يتربى في عزو" فارتباط المشاهد بها وشعوره بأمومتها له جعله ينسى تماماً أنه أمام عمل فني ويبكيها بحرقة بأم عينه.

"عبلة كامل" أخذت قسطاً وافراً من مساحة الأم ونجحت في ترك بصمة خاصة بها بأداء فريد من نوعه بدأ من مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" رغم صغر سنها الذي لا يرتقي لأداء هذا الدور في مراحله العمرية المتقدمة إلا أن براعتها تفوقت وحطمت كل القواعد والمتوقع لتصنع لنفسها بنفسها مرحلة أمومة فنية باسم "عبلة كامل".

رغم أن التاريخ الفني صنع أمهات علامة لهذا الدور فكان دور الأم يناديهن وتجدهن في الأعمال المختلفة باستمرار حتى تحولت أسمائهن لمرادف لدور الأم وطباعه وشخصيته في الحقيقة وأصبحت هذه الأسماء "أم الشاشة" إلا أن هذه الصناعة توقفت بتراجع "عبلة كامل" لتصبح الساحة الفنية بلا أم مميزة يرتبط ترديد اسمها به ورغم الانتباه مؤخراً لقدرات القديرتان "نادية رشاد" التي أُعيد اكتشافها في مسلسل "الطوفان" و "ماجدة زكي" التي أُعيدت صياغتها في مسلسل "قوت القلوب" إلا أنه ليس هناك استغلالاً لهذه الحالة التي تصنعها كل منهما خاصة "ماجدة زكي" لتشابهها الشديد مع تفاصيل الأم المصرية البسيطة وهي المنطقة التى شغلتها باقتدار الراحلة "كريمة مختار" وتعاني بشدها منذ فقدها.

الحقيقة أن دور الصناعة متهماً رئيسياً في هذا الوضع المخزي والذي ترك الشاشة بلا أم نتيجة لتقديم أعمالاً فنية لا تحمل بصمة الشارع المصري وانصراف الصورة المقدمة إلى المجتمعات الفارهة والموضوعات التي تخص فئة مميزة من المجتمع بتفاصيل لا يرتبط بها المشاهد البسيط والعادي نهائياً فهو يشاهد عالماً آخر لا يعرفه بحياة لا يراها إلا عبر الشاشة لا تعبر عنه ولا عن مشكلاته ووجود الأم في هذه الأعمال يناسب أحداثها فتجدها إما فاسدة أو منحرفة أو لعوب أو مجرمة في أم الجرائم في حق المجتمع بتصدير صورة مُخلة للأم لا تحمل أية قيم أو مبادئ أو صفات ومعانٍ وسمات الأم المصرية الأصيلة واكتفت بشريحة معينة تداوم على تقديمها لتتراجع بأسى خلفها "أم الشاشة".

ليس بأغنيات عيد الأم يتم تخليد الأم ولكن التخليد الحقيقي بصناعة "أم الشاشة" بنماذج تعبر عن حقيقة الأم ودورها وليس إهانتها والسخرية منها في ابتذال فني رخيص في الوقت الذي تهتم فيه الدولة برئاستها بتعظيم دور المرأة والأم في المجتمع لنطيح بهذا التوجه النبيل ونهدم كل المساعي لإصلاح المجتمع الذي يبدأ من الأم.

"الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق" ...

فليلتفت القائمون على صناعة الأعمال الفنية لما يقدمونه من إعداد لـ "ست الحبايب" على الشاشة.