الطريق
جريدة الطريق

محمد جراح: نعيش في زمن الرواية والكتابة الإبداعية لا تخضع لنظام محدد

الكاتب محمد جراح
إيهاب مسعد -

محمد جراح كاتب روائي وقاص وإذاعي وعضو اتحاد كتاب مصر. صدر له حتى الآن اثنا عشر كتابًا، ما بين القصة القصيرة والرواية والبحث التاريخي، وصدرت مجموعته القصصية الأولى "الشونة"، ثم روايته الأولى "العابدة"، وصولًا إلى روايته الأخيرة "مصنع الأصنام".

أجرت «الطريق» حوارًا مع الروائي والإذاعي محمد جراح للحديث عن تجربته الإبداعية:

فترات التكوين.. كيف أسهمت في إبراز شخصية الحكاء لديك؟

كنت أميل دائمًا إلى التأمل ولم تكن تستهويني الألعاب، كنت دائما منصرفًا إلى القراءة والكتابة وكان هذا هو مجال تميزي وأرقي في الوقت نفسه. في تلك الفترة المبكرة بدأت كتاباتي وكانت موضوعات التعبير والإنشاء المجال وحقل التجريب وكنت أحصل على الدرجة النهائية في كل موضوع أكتبه، ومثلما كان يحدث في الإنشاء كان يحدث في الرسم، إذ ازدانت بعض جدران المدرسة برسوماتي لا أنسى ما حييت أساتذة أفاضل منهم الأستاذ نبيل مدرس اللغة العربية والأستاذ رضا مدرس الرسم.

وفي المرحلة الثانوية كنت ملازمًا لصديقي الشاعر محمود مرسي وكنا نجوب مصر لحضور الأمسيات وألقي بأشعاري البسيطة في تلك التجمعات الجميلة وفي مرحلة الجامعة تجرأت وراسلت الصحف والمجلات وبدأ بعض ما أكتبه يعرف حروف المطبعة ، كانت سعادة ما بعدها سعادة لكنني تحولت بعد ذلك لكتابة القصة ثم الرواية ووجدت مجال الإبداع فيها يناصب الحكاء الذي يسكنني وهو ما أكد عليه استاذي وصديقي الأديب الراحل فؤاد قنديل ، هذه هي البداية باختصار شديد كانت البيئة جميلة وقد انعكس الشعر على اسلوبي في الكتابة حتى لأبدو شديد التكثيف فيما أتناوله ولا أنسى جدتي وأمي وحواديت الليل ولا أنسى أبي وحكيه لسير الملاحم الشعبية ولا الراديو بالدراما التي كان يبثها ، كل ذلك ساهم في تكوين شخصية الحكاء محمد جراح.

عندما تكتب القصة القصيرة تترك نهايتها مفتوحة.. فلماذا؟

لا أستطيع الجزم بأنني أقصد ذلك، إنني أكتب في الموضوع الذي أريد وأترك كل شيء للحكاء الذي يحكي وهذا الحكاء هو الذي يرى أن الأحداث لابد وأن تنتهي عند هذا الحد سواء جاء ذلك في هيئة رواية أو قصة قصيرة ، ولعل الحياة تبدو من حولنا كذلك ، فلا يوجد قول فصل أو حد قاطع لي شيء الخير أصبح يحتمل الشر والعكس صحيح ، نحن نعيش عصر التناقض ولعل ما حدث في مصر خلال السنوات الست الأخيرة ما يدل ويبرهن على ما أقول ، الكتابة استشرفت هذا التناقض وعالجته ولكننا ربما لم نتوقع أن نعيش التناقض ونصبح جزءاً من تفاصيله، هل أجبت على السؤال ؟ أعتقد ومن أجل هذا ترى أن النهايات تكون مفتوحة فلا نهاية قاطعة لأي شيء.

كتبت الشعر ثم هجرته.. فما السبب في ذلك؟

الشعر كما أراه هو تاج الإبداع، وقد استفدت كثيراً من تجربتي الشعرية في كتاباتي القصصية لكن الشعر مع احترامي الشديد له لم يستوعب بقوالبه ما تعبر عنه الكتابة النثرية، وأقول بكل صراحة ووضوح إن الشعر لم يعد ديوان العرب، ديوان العرب الآن هي الرواية.

أما القصة القصيرة فتائهة في المساحة ما بين الشعر والرواية ، اتجهت للكتابة النثرية لرحابتها وقدرتها على استيعاب ما أبثه فيها من أفكاري بعيدا عن الشعر وقواعده وبحوره وألغازه ومعانيه التي تسكن بطون مبدعيه.

مصنع الأصنام

حدثنا عن روايتك الأخيرة "مصنع الأصنام"

"مصنع الأصنام" رواية أمضي من خلالها إلى تفسير الواقع والحاضر من خلال التاريخ القديم؛ وهي تجربة أتبناها ويظهر ذلك جلياً في مجموعة من رواياتي التي تتبنى الخط التاريخي صراحة ومنها رواية "تي.. الملكة المشرقة"؛ ورواية "باتا.... سيف الحق"؛ ورواية " رب البداوة".

تدور أحداث رواية مصنع الأصنام في زمن الدولة الحديثة حسب تقسيمات التاريخ المصري القديم؛ إبان وبعد فترة حكم الملك أمنحوتب الرابع المعروف باسم "أخناتون"؛ والمؤامرات التي تعرض لها حتى تم إنزاله من على العرش ومناوئة كهنة آمون له؛ ترتيباً على الدعوة الدينية التي أطلقها والتي يراها البعض من دارسي التاريخ أنها كانت بمثابة دعوة مبكرة ناحية التوحيد؛ وكيف تصدى له الكهنة حتى هجر العاصمة إلى عاصمة جديدة؛ لكنهم لم يرضوا إلا بنزوله واختفائه؛ ثم انبروا في التخلص من خلفائه ومنهم الملك الصغير "سمنخ كارع"؛ والملك الطفل "توت عنخ آمون حتى أجلسوا كبيرهم المدعو "آي" على العرش..

هل يمكن إخضاع الكتابة الإبداعية لنظام محدد؟

الكتابة الإبداعية لا يمكن أن تخضع أبدا لنظام محدد فقوالب الإبداع معروفة ولكل منها طبيعته وعلى الكاتب أن يختار المجال الذي يجد فيه نفسه ، ومن الممكن أن يبتكر الكاتب في مجال تخصصه ولكن ستظل العملية الإبداعية محصورة في قوالبها المعروفة شعرًا ونثرًا.

الأدب بوصفه تاريخًا موازيا إلى أي درجة يمكن أن يعول عليه؟

الأدب هو سجل الأمة يعول عليه في كل شيء ، الحكمة تكمن في الأدب ، والعلم يكمن في الأدب وأشير هنا إلى القامات الفكرية والإبداعية أمثال د طه حسين والعقاد والحكيم والشرقاوي ومحفوظ وإدريس وغيرهم هذه القامات هي جزء من الأعمدة التي اقام عليها عبد الناصر مشروعه الثقافي التنويري إذن الدب ليس سجلا فقط بل هو ضمير للأمة.

هل نحن في زمن الرواية؟

نحن بالفعل في زمن الرواية وهذا لا يقلل من شان صنوف الإبداع الأخرى، لكن الرواية وصلت الآن إلى مرحلة نضجها في بلاد العرب مثلما وصل الشعر إلى نضجه منذ زمن بعيد ثم عاد وتقهقر.

هل حركة الأدب توازيها حركة النقد؟

للأسف لا توازي الحركة النقدية الحالة الإبداعية وهذا خلل خطير في معادلة الإبداع، وننتظر ذلك الناقد الذي يسعى لاكتشاف المواهب وتقديمهم وليس الناقد الذي ينتظر من يهدونه أعمالهم فيجاملهم.