الطريق
جريدة الطريق

بعد نقل المومياوات الملكية.. هل نحن عرب أم فراعنة؟!

إيهاب مسعد -

بعد حفل نقل المومياوات الملكية الفرعونية من المتحف المصري بميدان التحرير إلى متحف الحضارة بالفسطاط، تصدرت أزمة الهوية المصرية الساحة الإعلامية والثقافية، وثار السؤال التقليدي، "هل نحن عرب أم فراعنة؟

وأخذ هذا السؤال مساحة كبيرة بين المفكرين والمثقفين ورجال الدين الذين ربطوا بين العروبة والإسلام، ومصر الفرعونية والإسلامية والذي لا تعارض بينهم لأن كل منهم زمانه.

ويعتبر هذا السؤال في غاية الأهمية لأنه يتعلق بقضية الهوية والانتماء للحضارات، رغم أن التنوع من أهم عناصر تكوين وثقافة الشخصية المصرية، كما يقول الشاعر الكبير فاروق جويدة في مقال له بجريدة الأهرام.

وكان لـ «الطريق» هذا اللقاء مع عدد من الأدباء والكُتاب لمناقشة تلك القضية الهامة، خاصة أنهم دائما خط الدفاع الأول عن الهوية المصرية والانتماء.

معاطي: التأثير الفرعوني متغلغل داخل الشخصية المصرية

في البداية، يقول الكاتب الدكتور صلاح معاطي، إنه ربما السؤال الذي يتبادر إلى الذهن من حين إلى آخر خاصة في أعقاب أي حدث فرعوني.. هل نحن عرب أم فراعنة؟!.

وأضاف، يعتبر هذا السؤال في غاية الأهمية لأنه يتعلق بالهوية، وهناك العديد من العوامل التي تحدد هويتنا كالموقع الجغرافي والأهمية الحضارية والتاريخ النضالي والتركيبة السكانية والثقافة السياسية وغيرها من العوامل التي تلقي الضوء على البعد القومي للشخصية المصرية.

وأشار إلى أن موقع مصر الجغرافي والاستراتيجي المطل على بحرين ويرتبط بقارات العالم القديم "أفريقيا وآسيا وأوروبا" فرض عليها أن تكون منفتحة على العالم ومتفاعلة مع كل الحضارات، هذا التفاعل لا يذوب أو يتلاشى بفعل الزمن بل يستمر ويمتزج ويقوى.

وتابع: إذا نظرنا إلى الحضارة الفرعونية سنجد أن التأثير الفرعوني ممتد ومتغلغل داخل الشخصية المصرية؛ بالرغم من سقوط آخر الأسر الفرعونية قبل ألفين وخمسمائة عام بدخول الفرس مصر ومن بعدهم الإغريق ثم الرومان.

وأوضح، إذا نظرنا إلى الملامح الشكلية سنجد أن الملامح الفرعونية مازالت موجودة خاصة في جنوب مصر، ويمكن الاستدلال على ذلك من مقارنة الوجوه بالتماثيل الفرعونية والمومياوات، كذلك الصفات الأخلاقية والقيم كالشرف والكرامة والانتماء، سنجدها موجودة وهي ما تميز الشعب المصري عبر تاريخه.

وعندما دخل العرب مصر على يد عمرو بن العاص وجدوا ترحيبا كبيرا من المصريين ووجد الإسلام قاعدة له في مصر، خاصة أن المعاني النبيلة والأخلاقية التي حملها الإسلام، تتفق تماما مع المعاني والقيم التي يزخر بها التراث الفرعوني. وربما توجد في النصوص الفرعونية مقاطع تتفق تماما في المعنى مع النصوص الدينية الموجودة في المسيحية والإسلام.

بالإضافة إلى انتمائنا الأفريقي لطبيعة مصر الجغرافية كبوابة شمالية للقارة الأفريقية دخل منها الإسلام وامتزج مع القبائل الأفريقية في جميع أنحاء القارة، فنحن فراعنة بحكم التاريخ، وعرب بحكم الجغرافيا واللغة والفكر وأفارقه بحكم الهدف والمصير المشترك.

الغازي: هناك تقصير متراكم في التعليم والإعلام

ويرى الشاعر والكاتب صالح الغازي، أن الحضارة المصرية القديمة تستحق أن نفخر بها وقد نجد بعد كل مناسبة لإحيائها تلميحات أن ذلك يتعارض مع الهوية العربية أو الاسلامية!.

وأضاف، أفسر ذلك بالتقصير المتراكم من وزارة التعليم في تدريس ومعالجة تاريخ مصر القديم، وهناك تقصير متراكم من الإعلام ، نعم هناك دور رسمي غائب أو قصد التغييب، مقابل ذلك توسعت المناهج والبرامج في التاريخ العربي والإسلامي.

وتابع: تجاهل هذه الحضارة جعل أي حدث يحييها هو فرصة للبعض للتعبير عن عشقهم، بينما هناك من يتفاجأ بأن لديه أصل مشرف ومتحضر ومبهر ويتحمس بزيادة، بينما هذا التغييب جعل البعض جاهل بهذه الميزة ،ولا ننسى على كل حال أن هناك من يتربص بهذا الوطن العظيم ويقلقه أي تميز وينفي أي فخر..

وأشار إلى أن التاريخ المصري القديم يستحق أن نفخر به فهو رمز للتطور العلمي والفكري والهندسي. أما العربية هي لغتنا، وقد أعطاها المصري زخم من فيض تراثه وتاريخه وحضارته وصنع منها عامية بسيطة وناجزة ومتميزة ومحببة لكل متحدثي العربية وهي العامية المصرية.

أما الإسلام فهو دين غالبية المصريين وبعد أن دخل لمصر، وقد حدث تفاعل فكري مثلا في تجاور المذاهب في مصر، كما حدثت تغيرات في العمارة والتراث نلمسها في شارع المعز مثلا لنشعر أن مصر قدمت منجزا مختلفا في العمارة الاسلامية.

واختتم، عامة لا أرى تعارض بين الفخر بالحضارة المصرية القديمة والعربية والدين الإسلامي، فالشخصية المصرية تشربت واستوعبت الكثير وعلينا أن نعي ذلك ونستثمره والأهم أن يكون ذلك دافعا لإنجازات حالية.

جراح: اقرأوا التاريخ قبل أن تتعصبوا

من جانبه، يقول الروائي والإعلامي محمد جراح، أعتز بمصريتي الني تعني وتعكس تاريخاً حافلاً وممتداً منذ أقدم العصور وحتى دخول الإسلام مصر؛ وأعتز بعروبتي ما دامت الدنيا واستمرت الحياة!.

وأضاف، إذا كان هناك من يبالغ فينفي عن مصر وأهلها صفة العروبة؛ فأمثال هؤلاء يبالغون في التنصل من حقائق ثابتة وأدلة دامغة؛ فلا المصريون هبطوا من السماء ليكونوا عرقاً خالصاً بذاتهم؛ ولا غيرهم عبثت بهم المقادير فصاروا ركاماً وشراً يتحتم تجنبه!

وتابع: كانت مصر دائماً أرض حضارة سواء ما نشأ فيها وبنته سواعد أبنائها؛ أو ما مر بها واستقر فيها فاصطبغ بصبغتها؛ ومثل هذا الوطن الحاضن والمتسع للجميع هو بمثابة بوتقة انصهرت فيها أجناس كثيرة؛ ومن أجل ذلك تتباين وجوه المصريين ما بين السمرة والبياض ولا يوجد ما يميز بشكل قاطع سمتاً مصرياً خالصاً لأن المصريين انفتحوا على الدنيا في صور مختلفة قد تكون تجارة في مرات وقد تكون مصاهرة في مرات أخرى وغير ذلك من صور الانفتاح؛ وكان النتاج هذا الشعب الذي جمع إلى ذاته من المزايا ما يفوق المتناقضات.

لم تكن مصر منعزلة؛ فما الضرر إذا انتسبت إلى العرب، وما المكسب في نفي هذه الصلة عنها؟؛ هل لو كان العرب في عز ومجد كما كانوا هل كان سيطرح مثل هذا السؤال؟

وأشار إلى أنه في غابر الأزمنة ولما حل القحط والجفاف بشبه الجزيرة العربية خرجت هجرتان رئيسيتان؛ إحداهما اتجهت شمالاً بشرق حيث بلاد ما بين النهرين فأنتجت حضارة العراق في شتى مراحلها؛ والأخرى اتجهت شمالاً بغرب فأنتجت الحضارة المصرية وكان النهر لاعباً رئيسياً في كل من الحضارتين.

وأوضح، إذا كان أصل البشر واحد فما الفائدة من التناحر حول نقاء جنس وتمايزه عن الأجناس الأخرى إذا كانت البشرية في النهاية تنتسب إلى أب واحد هو آدم وأم واحدة هي حواء؟.

واختتم، اقرأوا التاريخ قبل أن تتعصبوا.

مقلد: الشعب المصري يفتخر بجذوره الفرعونية

من جانبه، يقول الشاعر عبد الرحمن مقلد، نشكر القائمين على تنظيم احتفالية نقل المومياوات الملكية، لإعادة الزخم مرة أخرى، بل وإعادة الروح المفقودة لدى الشعب المصري نحو إيمانه وتقديره لجذوره الفرعونية، وتمسكه بحضارته الأم الملهمة للبشر جميعًا.

وأكد أن مصر كانت على الدوام مبعث الروحانية، ومولد الإنسانية النقية، المنحازة للإخاء البشري ضد القتل والحرب والدمار.. مصر الحضارة طالما انتصرت للحياة والفنون وانتصرت للإله.. وضعت أول دستور بشري للتعايش.. لذا لا أجد تناقضًا أبدًا بين حضارتين..

وأضاف، مصر الأم تعلمنا ذلك لا يجب أن تقصي جميلًا ونافعًا في انحياز مدمرٍ نحو جميل ونافع آخر.. الحضارات تتعايش لا تتصادم.. والمعيار ما لدى كل حضارة من إمكانية بعث وإلهام لعيش حياة مُثلى قدر المستطاع.. لإرسال الإنسان نحو الخير نحو العدالة ونبذ التعصب والتقاتل والغزو ونهب الضعفاء..

وأشار إلى أن الحضارة تقاس بمدى انحيازها للنور ضد الظلام.. قياسًا على ذلك فالحضارة الإسلامية العربية حضارة عظيمة أيضًا، ذلك في صورتها النقية المرتبطة بالدين الإسلامي السمح، لا المصادرة من ناهبي الحق الإلهي.. لصوص الدين.. الحضارة الإسلامية المنحازة للفنون المنحازة للعلم والفلسفة والنقاش.. ملهمة البشرية عالم الاجتماع ومقدمة الاختراعات العلمية والاكتشافات الجغرافية والطبية.

لذا أضج غضبًا من ضيقي الصدور من أرباب الأحاديات مغلقي الأرواح الذين ينحازون وهم مغمضو الجفون لا يرون إلا ما في عيونهم فقط.. من المفترض أن نحسد أنفسنا كمصريين على ما اتحد لدينا على هذه الأرض من حضارات لا العكس.

عبد الخالق: فراعنة أم عرب أم أزمة هوية؟

من جانبه، قال الناقد الدكتور نادر عبد الخالق، إنه بعد حفل نقل المومياوات الملكية الفرعونية، تصدرت أزمة الهوية المصرية الساحة الإعلامية والثقافية، وهي قضية قديمة جديدة تثار من وقت لأخر خاصة عندما يتعلق الأمر بالشأن الفرعوني.

وأشار إلى أن كلمة هوية تتعلق بمجمل المؤثرات والموروثات والقيم التي ننفعل بها، وهى ليست وليدة اليوم أو مستحدثة، لكنها ثابتة فى عاداتنا وتقاليدنا وانفعالاتنا، ولو تأملنا ذلك جيدا فى واقعنا لوجدنا أننا نحمل فى طياتنا كثيرا من ملامح الحياة القديمة التي تؤكد مصريتنا وتبرز كثيرا من هويتنا، فالأسماء الفرعونية وبعض العادات والتقاليد القديمة جدا مازالت موجودة فى حياتنا، ولو أحصينا ذلك لوقفنا على جملة هائلة من الألفاظ والعادات والبلدان التي تحمل الخصوصية الفرعونية، مما يزيد الصلة بين واقعنا الحديث وواقع الحياة الفرعونية .

وكذلك وبعد الفتح الإسلامي العظيم لمصر وهو الفتح الوحيد الذى يمكن إطلاق لفظة فتح بمعناها الحضاري الواسع والشامل عليه، انتقل التأثير من حياة إلى أخرى، تأكدت فيها الدلالة السياسية والاجتماعية والعقائدية الإسلامية، وازدادت الهوية واتسع مداها لتقبل فى عمومها الحضاري الإشعاع الجديد، وهو يحمل فى خصوصيته الصفة العربية لغة وعقيدة، ومنجزا حضاريا متميزا مازال وسيظل تأثيره ممتدا إلى مالا نهاية .

فالقول أننا فراعنة قاصرا فى حكمه، والقول أننا عرب يغفل تاريخا ومنجزا حضاريا نشهد ملامحه ماثلة أمام أعيننا صباح مساء، مما يؤكد أننا مصريون مسلمون هوية وعقيدة، ننتمى لحضارة فرعونية ملأت الدنيا وشاعت أسرارها فى العالم كله، وأننا عرب نتكلم العربية وتجمعنا أواصر العروبة المجيدة وندين بدين العرب الخالد وهو الإسلام المجيد، وهويتنا هي حضارة الإسلام العظيم .

والسؤال الذى يطرح من حين لأخر ليس إلا لحصار الهوية وتقليص الانتماء وتقسيم الشخصية المصرية وزعزعت هويتها الحضارية الممتدة والمتشعبة، وهى هوية لا تتوفر لأى شعب فى العالم، ولا تتحقق فى صورها المختلفة كما نراها فى واقعنا الممتد عبر الحضارات المختلفة.