الطريق
جريدة الطريق

نحن أبناء قابيل.. نستحق الشفقة

راقية جلال الدويك -

أشفقتُ دومًا على قابيل..

كان ضعيف الفهم، لم يدرك ما للخالق من حرية مطلقة وحكمة محجوبة حين تقبل قربان أخيه دون قربانه..

يؤلمني حديثه المشبع بالنزق والضعف مع هابيل إذ يهدده بالقتل، وكأن هابيل هو سبب رفض قربانه..

كان أخرق تائهًا "قال لأقتلنك"..

على حين كان هابيل ثابتًا، وكأنه ملَكَ علما لم يُحِط به قابيلُ خبرًا.

"إنما يتقبل الله من المتقين* لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك"

كان هابيل واثقا فيما يعرف، مطمئنا لصواب الخير في نفسه حين قرر ألا يجابه أخيه عدوانا بعدوان..

واكتمل بؤس قابيل حين لم يملك وسيلة التأني والتدبر، فأطاع نفسه الخرقاء كليلة البصر.. فقتل أخيه.

أشعر بالشفقة على قابيل وهو ينظر إلى جثة أخيه مذهولا مرعوبا عاجزا حتى عن دفنه.. ليلقنه الغراب أول درس من مملكة الحيوان لمملكة البشر، حين يدفن الغراب أخيه أمامه ليُري قابيل كيف يواري جثمان أخيه الثرى..

فإذا بقابيل قاتل من حيث أراد أن يكون من الفائزين.. ووحيد من حيث أراد أن يكسب كل الأخوة.. وذليل من حيث أراد العِزة.

قابيل في ظني يستحق الشفقة.. من قبل، ومن بعد..

فأما ما هو من قبل.. فيكفيه أن يحمل وزر كل من سار على نهجه.. وحسرته على راحة كل من غادر كريما عارفا كهابيل..

وأما ما هو من بعد.. فيكفيه شقاء نسله الذي ورث ضعفه ونزقه وغروره.. فبقي على قيد الحياة يواجه كل يوم مسألة عسيرة الفهم والقرار.. فلا يحسن -كعهد أبيه- الاختيار.

للتواصل مع الكاتبة