الطريق
جريدة الطريق

الدكتور صابر زلابية يكتب: في رحاب الرحمة والتراحم

-

قال تعالى : ( إن رحمة الله قريب من المحسنين )، ويقول الله تعالى:﴿محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ).

يذكر الله تعالى نبيه ورسوله محمدا "صلى الله عليه وسلم .. الرحمة المهداة ويذكر أصحاب نبيه الكريم رضوان الله عليهم أجمعين ويصفهم بالإيمان، وأنهم أشداء على الكفار ورحماء بينهم.

فلنتأمل أن الله تعالى يذكر في هذه الآية الكريمة صفة وخصلة وسجية ومبدأ "عظيما" وهي صفة الرحمة والتراحم بين المؤمنين الصادقين ووجود هذه الصفة دليل عظيم على قوة الإيمان وقوة الأخوة الإيمانية ودليل الألفة والمحبة والتعاون والتكافل والخير فيهم .

والله عز و جل بهذا يحث المؤمنين على الرحمة والتراحم اقتداءا" برسول الرحمة صلى الله عليه وسلم وأصحابه الرحماء فيما بينهم.

وإن الرحمة هي الشعور بالشفقة والرأفة على المؤمنين، والتأثر لأحزانهم والمواساة لهم والبكاء لمصابهم والتوجع والتألم لألمهم وتقديم العون لهم و الدعاء وحب الخير لهم وتقديم النصح.

لذا فالرحمة والتراحم شعور بألم الجسد الواحد وأهمية ذلك عظيم جدا" وله آثار إيجابية كثيرة على الفرد والمجتمع والأمة وفوائد عديدة في الدنيا والآخرة .

إن رحمة الله تعالى ولطفه وخيره وإحسانه وعفوه وعونه ومواهبه تتنزل رحمات على أهل الرحمة والتراحم .

( الراحمون يرحمهم الرحمن )

( من لا يرحم لا يرحم ) .

(محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ).

وإن الأضرار وخيمة على الفرد والمجتمع والأمة لغياب الرحمة والتراحم .. فإذا غاب خلق الرحمة و التراحم حل الجفاء والهجر والقطيعة والشقاق والخصومات والنزاعات والتفرق والشتات والظلم .. حتى يصير الفرد والمجتمع والأمة بعداء عن رحمة الله .

والمتأمل في التاريخ قبل الإسلام يرى ذلك في حالة الجزيرة العربية وحالة العرب وحال العالم، فقد كان القوي يأكل الضعيف، وأصبحت كرامة الإنسان تكاد تنعدم وكيف صار حالهم بعد الإسلام بعد إيجاد الرحمة .. أصبحوا كالجسد الواحد، وهكذا يكون الحال في الواقع المعاش، في وجود الرحمة وفي غيابها .

إن الاتصال بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم و سير الصالحين من أهم الوسائل و الأسباب المعينة على التحلي بالرحمة والتراحم والتخلق بها .

فلنحذر من الأسباب السلبية التي تؤدي إلى الحقد والغل ونزع الرحمة ولنحذر من الظلم والكبر لما لذلك من أضرار كارثية على الأفراد والمجتمعات.

لذا يجب على الفرد والمجتمع المسلم استشعار هذه المعاني العظيمة للرحمة والتراحم وتفقد حال المعسرين والمحتاجين وتعاون جميع القادرين مع فقراء الحي وتقديم العون لهم ماديا" وذلك لتوفير الاحتياجات الضرورية لفقراء الحي.

ولنتأمل المواقف العملية من سيرته صلى الله عليه وسلم لنرى كيف كانت رحمته فنقتدي به ونتأسى به صلى الله عليه و سلم :

- قال الله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

يتضح من الآية العظيمة رحمة الله تعالى بإرساله الرحمة المهداة لهذه الأمة محمد صلى الله عليه و سلم ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).

رحمته صلى الله عليه و سلم في حرصه على أمته وخوفه على أمته من العنت والشطط، يعز عليه أن يرى أمته في طريق الغواية، ورأفته و رحمته بالمؤمنين .

- فمن لي بخوض البحر والبحر زاخر" :

و من لي بإحصاء الحصى و الكواكب.

- فلو أن أعضائي غدت ألسنا" إذن :

لما بلغت في القول بعض مآربي

- رحمته صلى الله عليه وسلم تتجلى في كل حياته، رحمته بالصغير والكبير والمؤمن و الكافر، والإنسان والحيوان، والطير .

يقولها مشفقا": (لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله)، وقد خير بين إطباق الأخشبين عليهم .

يبكي رحمة على ولده إبراهيم، ويبكي لفقد أصحابه وأحبابه.

ويأتيه الجمل شاكيا فيستدعي صاحبه ويأمره و ينهاه .

- تحوم الحمرة الطائر حوله فيقول: ( من فجع هذه بصغارها).

يدعو و يبكي : ( اللهم أمتي أمتي ) .

فأين هي أمته اليوم ؟؟

أين الرحمة التي نزعت من قلوب كثير من الخلق ؟ أين العطف والشفقة والتراحم والتآلف بين المسلمين ؟

- أين نحن من أخلاقه وآدابه ورحمته وعطفه ؟

وإذا عفوت فقـادرا، ومقدَّرًا ..

لا يستهين بعفوك الجهلاء'

وإذا رحمت فـأنت أمٌّ أو أبٌ ..

هـذان فـي الدنيا هما الرحماء'

وإذا غضبت فإنما هي غَضبة" ..

في الحب، لا ضغن" ولا بغضاء'

ما بالنا نزداد قسوة و جفاءا" !! لم لا ننهل من هذا المنهل الصافي !! لم لا نمتثل ونقتدي برسول الله صلى الله عليه و سلم !! .

فلندرك ضرورة شمول الرحمة لجميع التعاملات ومع جميع مكونات المجتمع المتنوعة ، وقد أوجبت الشريعة الإسلامية الرفق بأهل الدخل المحدود وضمان توفير احتياجاتهم الضرورية.

ولنجعل نصب أعيننا قوله صلى الله عليه وسلم :

«الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»

اللهم اجعلنا من أهل الرحمة و التراحم .. ووفقنا لما تحب و ترضى، وصل اللهم و سلم على المبعوث رحمة للعالمين و على آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.