الطريق
جريدة الطريق

قائمة العروس.. هل تحفظ حقَّها أم تحوِّل الزواج لـ”صفقة”؟

حسام مصطفى إبراهيم -

انتشرتْ خلال الأيام الماضية صورةً لقائمة عروس، كتب فيها أبوها "من يُؤتَمن على العِرض لا يُسأل عن المال، اتقِ الله في كريمتنا"، وكما هو متوقعٌ ثار جدل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص هذا التصرف، وهل من حق الأب أن يفعل هذا أم أن هذا قرار البنت؟ وهل كان الغرض الاستعراض أم أنه فِعلٌ من شأنه أن يرفع من قيمة الفتاة لدى زوجها، ويحرك نخوته للحفاظ عليها؟ وهل هذا الأمر غير مسبوق بالفعل أم أنه يتكرر بطريقة اعتيادية؟

في هذا التحقيق نحاول تلمّس الإجابات.

سارة: عائلتي لا تكتب قائمة أبدًا.. وجدي أول من سن هذه السنّة

قالت سارة عبد العليم، مديرة سوشيال ميديا، إن عدم كتابة قائمة منتشر في عائلتها، وأول من فعله جدها -رحمة الله عليه- ونفَّذه مع بناته جميعهن، رغم أنه لم يكن قليل الشأن وإنما صاحب مصنع له اسم وسمعة طيبة في منطقته، وتابعت: "الجميع كان يحلف بأخلاق بناته وهو نفسه كان يفاخر بهن ويقول في حقهن "أنا بنيت أربع عمارات" ويقصد أنه رباهنّ وعلمهنّ وزوجَّهن رغم انه لم يكن متعلمًا".

وأكدت سارة أن هذا التصرف جعل من أزواج البنات أصدقاء للجدّ وأبناء حقيقيين حتى آخر يوم في حياته، لا مجرد أنسباء، ما انعكس على علاقاتهم بزوجاتهن وإكرامهم لهنّ.

وذكرت سارة أن والدها هو الآخر كان يقول إنه لن يكتب لها رغم أنه محامٍ، فهي لا تُثبت حقوقًا ويمكن التلاعب بها بسهولة، والزواج ليس صفقة وابنته ليست "بيعة وشروة"، وعندما توفاه الله أصرَّت والدتها على إنفاذ رغبته، وقالت للعريس إنها وصية الراحل الكريم.

أماني: القائمة مهمة حتى لا تخرج الزوجة "من المولد بلا حمص"

وعلى الجانب الآخر، رفضت أماني محمود، مدرّسة، عدم كتابة قائمة، وقالت: "صحيح أن الزوج لو لم يكن "ابن ناس" فإن القائمة لن تمثل له عقبة في سبيل الانفصال أو إساءة المعاملة، لكن لا مفرّ منها، حتى لا تخرج الزوجة من المولد بلا حمص".

وتابعت: "يجب، في حالة الانفصال، ألا تجد الأم نفسها مضطرة للبدء من الصفر، على الأقل تجد عفشًا تربي عليه أبناءها".

وهو ما أيَّدها فيه نضال فكري، صحفي، قائلًا إن بعض الرجال من ذوي النفوس المريضة، تؤثر فيهم القائمة وتمثل رادعًا لهم عن الإتيان بتصرفات غير محسوبة، ولا بأس بكتابتها أو كتابة شيك بقيمتها فهي بديل المهر الذي أقرَّه الشرع.

فاطمة: مع إلغاء القائمة لتجنّب ندوب ربما لا تشفى أبدا!

وقالت فاطمة فيصل، اختصاصية علم النفس التربوي، إنها البنت الوحيدة في عائلتها التي لم تُكتب لها قائمة، والسبب والدها الذي لم يكن يخوّن الناس، أو يفترض فيهم نية السوء، وتابعت: "بالتأكيد تعرَّضنا لانتقادات عديدة ممن حولنا من واقع خوفهم عليّ وعدم تعوّدهم على مثل هذه الأمور، خصوصًا أنني البنت الوحيدة لوالدي، لكن أبي أصرَّ، وقال إذا حدث شيء لا قدّر الله، فلن تكون القائمة هي المشكلة".

وذكرت سارة أن زوجها سَعِد للغاية بهذا القرار الذي سيوفّر عليهما خوض مشكلات عديدة، وتابعت: "وفقًا للاتفاق، جهزنا كل شيء مناصفة، وشعر زوجي أن والدي متعاون ومحترم، وهو ما وَقَر في نفسه وانعكس على تصرفاته وتعامله معي حتى اليوم".

وأكدت أنها مع إلغاء القائمة لتجنّب مشكلات ربما تترك ندوبًا في نفوس كل الأطراف، وذكرت أنها لن تكتب قائمة لابنتها لو رزقها الله بواحدة.

محمد: المجالس العرفية في القرى تحل مشكلات الانفصال

لكن كيف يكون التصرف إذا وقعت مشكلات مُفضية إلى الطلاق بين زوجين لم يكتبا قائمة؟

يقول محمد قايد، خطيب وإمام مسجد: "تختلف الأمور بين القرية والمدينة، فلدينا -في الشرقية- مجلس عرفي يتولى هذه المسائل"، واستطرد: "حضرتُ واقعة لم يكتب فيها الزواج قائمة، وكان يريد الانفصال عن زوجته، فانعقد المجلس العرفي المكوَّن من العمدة وبعض الحكماء وأهل الطرفين، وبعد الاستماع إلى الجميع والمداولة، كتب المجلس العرفي الحُكم في ورقة مُغلَقة، ووقَّع عليها المعنيّون جميعًا دون معرفة الحكم، ثم تُلي الحكم بعدها وكان ملزمًا للجميع".

وأكمل: "أما في المدينة، فعدم وجود قائمة يعني ضياع حق الزوجة، وأنا مع كتابة القائمة أو مستند بقيمتها".

عيسى: لا بد من كتابة "قائمة" فالأخلاق متدنية وحفظ الحقوق واجب

وذكر الشيخ محمد عيسى، المـأذون الشرعي للحاج محمد سامي، أن عدم كتابة قائمة ينتشر في الريف عنه في المدينة، وتابع: "أركان الزواج الشرعي الإيجاب والقبول والإعلام، أما القائمة فعُرفٌ، وهي بديل للمهر الشرعي". وأكد أنه مع كتابة القائمة لحفظ الحقوق، خاصة مع تدنّي الأخلاق في هذه الأيام وضرورة تعويض الزوجة ولو جزئيًا حال عدم توفيقها في الحياة الزوجية، وأكَّد أنه شهد حالات عديدة لأُسر لم تكتب قائمة لبناتهن فضاعت حقوقهن، رغم علاقات القرابة والدم.

ونصح الشيخ محمد أهل العروس بكتابة القائمة بأدق التفاصيل، لا بصفة عامة، كي لا ينتهز ضعاف النفوس الفُرصة ويبدلّوا المنقولات حال الخلاف.

الزواج نعمة من الله، وأساسه المودة والرحمة، لا عقد الصفقات، ومع ذلك فإن النفوس متغيِّرة ولا أحد يعرف ما تأتي به الأيام، لذا فإن حُسن الاختيار منذ البداية، وعدم التسرع، وتلمّس الكفء، ربما يُجنّبنا كثيرًا من المشكلات والمزالق واللف سنوات بين أروقة المحاكم.