الطريق
جريدة الطريق

محمد عبد الجليل يكتب: يا أم نيرة صبرًا فإن موعدك الجنة!

رئيس التحرير
-

قبلة على الجبين ودعاء بالتوفيق ونظرة عين برائحة الوداع.. ما بين الضحكة والنحر عاشت "نيرة" زهرة شبابها لترحل على الهواء مباشرة.. يغمر دمُها طرقات العبث واللا مبالاة.. كانت نهايتها حدثًا جللًا عاشته كل مصر، ورحلت والسكين في قلب الأم لم تُتزع، وفي روح الأب شرخ ينزف حسرة.. فلكما الله يا والديها والأيام والسلوى والشفاعة!

ماذا يمكن أن ندبِّج من كلمات حتى نواسيهما في مصابهما الأليم؟!

وأي كلمات في أي كتاب يمكن أن تهوِّن عليهما ما عاشاه وشعرا به يُفتت قلبيهما خلال هذين اليومين؟!

ولسان حال الأم الثكلى وهي تنظر إلى ابنتها نظرة الوداع.. كيف هان عليكِ فراقي! كيف هانت عليك قُبلتي؟ وأين أطبعها بعدك؟ وعلى خد من أنثرها؟ آه يا نيرة.. آه يا نيرة!

الأم والأب اللذان ربَّيا وعلَّما وكبَّرا وانتظرا أن يفرحا بثمرتهما التي نضجت وقاربت على أن تكون لها حياة خاصة بها، فإذا بكلمة النهاية تنزل أسرع مما توقَّعا أو توقَّع أي أحد!

أي مواساة يمكن أن ترأب صدع قلبي أب وأم كان ينتظران شهادة التخرج وفستان الفرح، فرجعت البنت إليهما بشهادة الوفاة وطبقات الكفن!

للأسف لا شيء!

مع ذلك، فإن الله يعلم ما لا نعلم، وبيده كل شيء، وهو على كل شي قدير، ولعل موت ابنتهما على هذه الشاكلة يغفر لها أي ذنب تكون قد اقترفته -وكلنا أصحاب ذنوب!- ويرفع من درجتها في الجنة، ويكون شفيعًا لوالديها يوم لا ينفع مال ولا بنون..

لعلَّ موتها بهذه الطريقة البشعة قد وفَّر عليها خوض غمار حياة أبشع، ورحمها مما لا قِبَل لها به، وقد رأت طيفًا مما كان ينتظرها في عالم فقد إنسانيته، وجُنّ أهله، ولم يعد للمنطق عليه من سلطان!

لعلَّ موت نيرة يمكن أن يكون ناقوس الخطر الذي يدقّ ليلفت الانتباه إلى ما يجري داخل أسوار الجامعة وخارجها من غياب القدوة، وتراجع ليس التعليم فقط وإنما الأخلاق كذلك، ويدفع أولي الأمر لتبنّي فلسفات جديدة تقدِّم إلى جانب العلمِ الدعمَ النفسيَ والاجتماعي والأخلاقي للأبناء كي لا تتكرَّر المأساة...

لعل ما حدث، يكون بداية حوار مجتمعي لازم ومهم للغاية بخصوص ما جرى لأبنائنا، وكيف أفضت حياتهم في ظل هذا التقدم التكنولوجي المرعب إلى انسحاب التواصل الاجتماعي الطبيعي والحياة السوية التي تعلّمهم كيفية التعامل مع المشكلات والضغوط بشكل سوي..

لا بدَّ أن تكون هذه الفاجعة علامة حمراء في تاريخنا، ولا يكون ما بعدها مثل الذي قبلها، وتتدخَّل مؤسسات الدولة لفهم ما وقع، واتّخاذ ما من شأنه أن يمنع تكراره ويلحق باقي الأبناء. إن الجامعة ليست مكانًا مُصمتًا لتلقّي العلم فقط، إنما مدرسة للحياة والأخلاق، وما لم تقم بدورها على أكمل وجه، فلنقل يا رحمن يا رحيم على فلذات أكبادنا!

أما أبو نيرة وأمها..

فندعو لهما بالصبر والسلوان، ندعو لهما أن يربط الله على قلبيهما، وأن يرحم الابنة الشهيدة -بإذن الله- ويرفع درجتها، ويجمعهم في جنة خلد وملك لا يبلى بعد عمر طويل، ليضحكوا على محنة الحياة، ويستأنفوا كل الأحلام والأمنيات والوعود التي حال الموت بينهم وبينها أن تكتمل..

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

اقرأ أيضًا: محمد عبد الجليل يكتب: لماذا غضب حبيب العادلي من الصحفيين ووصفهم