مرآة الفيس عمياء.. كيف باعت مواقع التواصل الاجتماعي الوهم للمستخدمين؟

علماء النفس: تصدر صوراً غير حقيقية عن شخصيات الأفراد
يحاول الأفراد من كل مجالات الحياة وخصوصًا النساء معرفة لماذا يبدو كل من حولهم بأنهم يحظون بحياةٍ رائعة وخالية من الضغوط ومشاكل الحياة المتعذَّر حلها، وأنت أيضًا ربّما تكون أحد هؤلاء الذين يتساءلون، لكن من منا فكر أن ظهور كل المحيطين بنا بهذه الصورة الإيجابية سببها تأثرنا بمواقع التواصل الاجتماعى، وأننا فى حقيقة الأمر نعيش فى خداع.
هناك الكثيرون من يصدرون أحكاما على الحالة النفسية لأصدقائهم وأقاربهم من خلال الصور التى ينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك وتويتر»، علاوة على الانبهار بالتدوينات التى يتم نشرها التى، وللأسف، تطيح بعقول قرائها إلى آراء أغلبها لا علاقة لها بالواقع، فهناك من يحكم على أن كتابها يعيشون فى عالم من السعادة الذى يخلو من كل ضغوط الحياة وآلامها، وهناك من يتصور أن آخرين محاطون بحالة من الحزن والضيق الشديد ويعانون من أزمات من الصعب إيجاد أى حل لها، لكن وعلى الجانب الاخر هناك من لديهم ما يمكن أن نصفه بأنه مناعة من تأثير الصور أو التدوينات والتعليقات التى يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعى، ولا يحاولون إصدار أحكام على شخصية أصحابها أو الحالة النفسية التى يعيشونها، لكن وللأسف هذه الفئة قليلة جدا.
ولربّما تتساءل، لماذا تكون النساء بالتحديد عُرضة لمثل هذه المقارنات الاجتماعية التى تميل لإظهار حياة الآخرين أفضل، والإجابة ببساطة تكمن فى النتائج التى توصلت لها دراسة الدكتورة باربارا جرينبرج، أحد أهم علماء النفس، والتى اهتمت بإجراء بحث عما وصفته بالصورة الخيالية التى يتوهم بها زوار مواقع التواصل الاجتماعى عن حياة الآخرين ممن هم ضمن قائمة أصدقائهم.
تعد النساء هن الأكثر استخدامًا واهتمامًا بهذه الشبكات الاجتماعية التى تعجُّ بالصور المختارة بعناية للتعبير عن جودة الحياة، والرجال بالطبع أيضًا يستخدمون تلك المواقع ولكن النساء هن أكثر تفحّصًا لهذه الصور، والأزمة أنهن لا يحكمن على حياة الآخرين من خلال صورهم وتدويناتهم فقط، وإنما يقارنّ حياتهن بحياة هؤلاء الآخرين، فقد أغفلن أن كل هذه الصور والتدوينات تمثل عالما افتراضيا وليس واقع حياة.
لم تتوقف الأزمة عند مجرد إصدار أحكام بعينها على صفات الأشخاص وحالاتهم النفسية من خلال قراءة تدويناتهم أو مشاهدة صورهم فحسب وإنما تفاقمت إلى حد السؤال عن مدى أهمية الحياة وجدواها من الأساس عند متابعة الصور والمنشورات الحزينة التى تشعرنا بالضيق، وهو ما يوضح أن إدمان متابعة منشورات وصور الآخرين وإصدار الأحكام عليها، سوف يؤدى إلى اعتبار هذه الحياة ليس لها أى قيمة مما يزيد من درجة الاكتئاب والضيق وقد يؤدى إلى الانتحار.
إذًا، فهناك خطأ ما، فالناس دائمًا ما تفترض افتراضات خاطئة عن حياة الآخرين، ولتهدئة الأمور ومحاولة إعادة الجميع إلى أرض الواقع سنشير إلى خمس نقاط يجب أن تكون على وعى بها قبل أن تقضى ساعة أخرى على الفيسبوك لتقرّر أن تقارن حياتك ومشكلاتك وتصدر أحكاما بناء على تصوراتك عن حياة الآخرين، التى هى فى الأساس تعتمد فى جزء كبير منها على الخيال والعالم الافتراضى.
1 - ضع فى اعتبارك أنه من غير المحتمل أن هناك شخصًا فى دائرتك الاجتماعية يعيش حياة مجرّدة من المصاعب والضغوط، ففى هذه الحياة؛ الجميع لديه مصاعبه، أما فى الواقع الافتراضى وشبكات التواصل فنحن نحاول على العكس إظهار الانطباعات والأحداث الجيدة فى حياتنا، بعيدًا عن الخلافات مع شركائنا أو الصعوبات المالية، وإذا بحثنا خلف القناع الظاهر لحياة أى شخص فإنك ستجد صعوبات وتحديات توجد تمامًا بجانب صور الفيسبوك الرائعة.
2 - معظمنا يفعل ما بوسعه ليشعر بذاته على نحوٍ جيد، ودائما ما نجتهد لكى نحسن من حالتنا النفسية وربّما نحاول أن نشعر بذلك، عن طريق نشر الأمور الإيجابية التى تعزّز ذلك، فجميعنا يريد التواصل والتفاعل ونحن نفعل ذلك عن طريق نشر الجانب الأكثر إضاءة فى حياتنا، أملا فى أن يكون ذلك عونا لتحسين حالتنا النفسية السلبية.
3 - تذكّر أنه وراء كل صورة تُنشَر على الفيسبوك، هنالك العشرات لا يتم نشرها، فالهدف دائمًا هو تقديم الوجه الأفضل، فلا أحد ينشر صوره ووجهه شاحب وهو مصاب بالبرد، وصحيح نحن نتذكر بعض الصور لأُناسٍ وهم مرضى، ولكن يبقى هذا استثناءً نادرًا ما قد نشاهده.
4 - يميل الناس إلى النشر عندما يكون لديهم ما يحفَلون به، فضع فى اعتبارك أنه ليس معنى أنّ شخصًا ما نشر احتفالاته ولحظاته السعيدة أن حياته مجرَّدة من أى صعوبات، فالأمر على عكس ذلك ولكنه لا يتم نشره.
5 - وأخيرًا، حاول جاهدًا ألّا تضع افتراضات وفكّر فيما تنشره، ألَسْتَ أنت أيضًا تنشر لحظاتك السعيدة؟، ولكن هذا ليس معناه أنك تنعم بحياة مثالية، ولذلك أسقِط هذه الفكرة على ما ينشره الآخرون كذلك، فالحياة كما يقول المثل الشعبى، «حبّة فوق وحبّة تحت»، ولكن عندما نضع الافتراضات نقع حينها فى المشكلة.
يقود تأثير مواقع التواصل الاجتماعى على مستخدميها وزوارها إلى التفكير فى سؤال محورى لطالما حير الملايين خاصة مستخدميه وهو: هل التوقف عن استخدام فيسبوك يقود إلى السعادة؟.
كشفت العديد من الدراسات التى أجريت مؤخرا أن استخدام فيسبوك بشكل يومى يقود مستخدمه إلى التعاسة، وأن التقليل منه، أو حتى الابتعاد عن مثل هذه المواقع، يزيد مستوى السعادة، لكن هناك نتيجة سلبية توصلت لها نفس الدراسة فى حال الابتعاد عن متابعة مواقع التواصل الاجتماعى.
يتسبب الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعى، فى تراجع المعرفة والمعلومات، خصوصا فى المجال الإخبارى والأحداث المحلية والإقليمية الجارية، لكن وفى نفس الوقت فإن تعليق المستخدمين لحساباتهم على فيسبوك وعدم استخدام هذا الموقع لمدة شهر، يمكن أن يحسن حياة المستخدمين الشخصية والذهنية والنفسية.
وهدفت الدراسة التى أجراها باحثون من جامعتى نيويورك وستانفورد، إلى دراسة تأثير التوقف عن استخدام فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعى الأخرى على سلوك المستخدم وحالته الذهنية.
وشملت الدراسة التى أجراها باحثون من جامعتى نيويورك وستانفورد، والتى جاءت بعنوان «التأثير الصحى لوسائل التواصل الاجتماعى» إجراء بحث تفصيلى على 2844 مستخدما أمريكيا ممن يستخدمون الموقع 15 دقيقة على الأقل يوميا، لتكشف أن تعطيل صفحة الفيسبوك وإبطال تفعيلها بين المشاركين يزيد من الأنشطة البعيدة عن الإنترنت، مثل زيادة التفاعل الاجتماعى الشخصى مع الأسرة والأصدقاء.