الطريق
جريدة الطريق

الموت المعلن.. هل خرجت الجرائم عن المنطق في مصر؟

تزايد حوادث الموت المعلن
محمد حامد -

على وقع انتشار حوادث «لا معقولة» تحمل غلظة مضاعفة، شهدت مصر حادثة طعن جديدة لفتاة على يد شاب بمحافظة الشرقية، بعد أقل من شهرين على حادثة مماثلة هزت الرأي العام، حين أقدم شاب على نحر زميلته أمام أبواب جامعة المنصورة بالدقهلية، في 20 يونيو الماضي.

وأنهى شاب حياة فتاة أمس الثلاثاء بعدما سدد إليها نحو 16 طعنة بآلة حادة (سكين) في مناطق متفرقة من جسدها أمام أعين المارة بجوار محكمة الزقازيق الابتدائية في محافظة الشرقية.

وتدعى الفتاة سلمى بهجت الشوادفي، وتبلغ من العمر 20 عاما، وهي طالبة في كلية الإعلام جامعة الشروق، وتقيم في أحد مراكز محافظة الشرقية، بينما المتهم هو زميلها إسلام محمد، الذي يدرس بنفس الكلية.

وتمكنت الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض على الجاني، ونقلت جثة الفتاة لتشريحها واستكمال التحقيقات، في حين أرجع المتهم سبب ارتكابه الجريمة إلى «دوافع شخصية وخلافات مع الضحية».

وأثارت الحادثة ضجة كبيرة في مصر بعد أن أعادت التذكير بحادثة الفتاة نيرة أشرف، التي نحرها زميلها محمد عادل أمام بوابة جامعة المنصورة، وقضت محكمة الجنايات بإعدامه شنقا في السادس من يوليو الماضي.

وقائع الموت المعلن

حادثة الأمس تأتي ضمن سلسلة من الأحداث المشابهة التي هزت الشارع المصري طوال الأشهر الأخيرة.

ففي نهاية يونيو الماضي، أقدم قاضٍ شهير على قتل زوجته المذيعة بإحدى القنوات الفضائية بسبب «خلافات أسرية»، بحسب ما أوضحت النيابة العامة.

وأواخر مايو الماضي، أقدمت أم في قرية ميت تمامة التابعة لمركز ومدينة منية النصر بمحافظة الدقهلية على ذبح أبنائها الثلاثة، قبل أن تحاول التخلص من حياتها على إثر مرورها بحال نفسية سيئة.

وقبلها بأيام، كانت «مذبحة الريف الأوروبي» التي أقدم فيها شخص على قتل 5 أفراد من أسرة واحدة، هم الوالد وابنتيه وحفيديه في مزرعة بمدينة الشيخ زايد، نتيجة خلافات اجتماعية وأسرية، فيما نجت الزوجة (40 سنة) من الموت، بحسب ما أعلنت الشرطة.

وفي أبريل الماضي، شهدت منطقة شبرا الخيمة ذبح شاب لآخر وسط الشارع، وأظهرت التحريات الأولية أن الحادثة جاءت بسبب مشاجرة بين الطرفين نتيجة لهو الأطفال.

وفي نوفمبر الماضي، عايشت محافظة الإسماعيلية جريمة أثارت الجدل لأيام بعدما أقدم شاب على ذبح آخر وسط الشارع وفصل رأسه عن جسده وسار بين المارة حاملاً الرأس المفصول في يده.

وفي يناير، قتلت سيدة في العقد الرابع من العمر ذبحا بالسكين على يد ثلاثة من أشقائها أمام ابنتها (15 سنة) بمنطقة الهرم في محافظة الجيزة.

إحصاءات القتل

خلال الأعوام الأخيرة، زادت معدلات الجريمة في مصر بشكل لافت، إذ باتت الدولة العربية الأكثر سكانا تحتل المركز الرابع عربيا والـ16 أفريقيا والـ24 عالميا في جرائم القتل، بحسب تصنيف «ناميبو» لقياس معدلات الجرائم بين الدول.

وفي إحصاء سابق لوزارة الداخلية المصرية عام 2019، سجل عدد جرائم القتل العمد عام 2010، 774 جريمة، لكنه تضاعف ثلاثة مرات عام 2012 ليصيح 2144 جريمة، وارتفع العدد عام 2014 ليصل إلى 2890، ثم بدأت الجرائم بالانخفاض في الأعوام الثلاثة التالية، لتقل عن حاجز 2000 جريمة، إذ بلغت عام 2015 نحو 1711، و1532 عام 2016، أما في 2017، فكان عددها 1360.

وأرجعت الداخلية أسباب ارتفاع نسب الجريمة إلى انتشار الأسلحة النارية والإفراج عن عدد كبير من العناصر الإجرامية، وشيوع ظاهرة العنف الاجتماعي والتأثيرات الناتجة من الأعمال الفنية وانعكاسها على المواطنين بتقليدهم لها، إضافة إلى الظروف الاقتصادية والمتغيرات المحيطة بالدولة.

ويرجح المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن ثلث جرائم القتل عائلية، ونسبة 92% من هذه الجرائم ترتكب بدافع العرض والشرف، فضلا عن العوامل الاقتصادية التي أصبحت من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي.

تغير وجه الجريمة

وجه الجريمة في مصر تغير لكنه اكتسب ملامح غريبة «لا منطقية»، بما في ذلك منطق الغضب الذي يعمي القلب والبصيرة وخرق قواعد الطبيعة والفطرة بما فيها هامش القسوة والغلظة.

جرائم القتل لا يخلو منها مجتمع مهما بلغ من درجات الرقي والرفاهية وتطبيق القانون، لكن حين تتواتر جرائم قتل لا يكتفي فيها القاتل بقتل القتيل، بل يشوهه أو يسحله أو ينحره أو يختار أن يبتر أعضائه من دون الحاجة إلى ذلك، أو تصل به درجة الغلظة إلى فصل الرأس عن الجسد والسير بها بين المارة في وضح النهار.

وتراعي جهات الاختصاص في الجرائم الأبعاد المتعلقة بالصحة النفسية والعقلية، لا سيما في الحوادث والجرائم ذات الطابع بالغ الغلظة، وعلى الرغم من أن حجة اعتلال الصحة النفسية أو العقلية هي الأكثر كلاسيكية في الاستخدام من قبل الجناة ومحاميهم، فإن جهات التحقيق قد تساورها شكوك في صحة المشتبه فيه العقلية في الجرائم، لاسيما القتل، ذات الطابع المفرط في الغلظة.

جرائم لا معقولة

كل الشواهد تؤكد أن المشهد فيه جرائم من نوع غريب وحوادث تفاصيلها جديرة بروايات الخيال وأبطالها من جناة ومجني عليهم، تقول كثيرا عما يدور في المجتمع المصري على مدى سنوات في غفلة من الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتواترة والمتثاقلة بشكل غير مسبوق منذ ما يزيد على عقد مضى.

تفاصيل بعض الجرائم التي وقعت مؤخرا داخل المجتمع المصري ودقة اعترافات المتهمين تفوق خيال أعتى كتاب قصص وأفلام الرعب.

عنصر «العمد» يطل برأسه بشكل فج، وتخطيط وتدبير وتنسيق وتجهيز تنفي عن الجاني أو القاتل نعوت الجنون المفاجئ أو الغضب المباغت أو لحظة تفوق الشيطان.

وبحسب التقرير السنوي الذي يصدره مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات عن القتل، فإن أحد السمات المثيرة في بعض جرائم القتل بين الأشخاص حين يكون القتل بغرض القتل، وليس لتحقيق هدف ما من ورائه، وهو يحدث حين يعتبره القاتل وسيلة لحل نزاع أو معاقبة الضحية أو الانتقام منه أو تلقينه درسا مزمنا.

تواتر الجرائم اللا معقولة يستدعي تدخلات سريعة عدة بعديا عن التوجه الفوري لركب من الشرطة، والتحقيق من قبل فريق من النيابة، والتحويل السريع للقاضي بغرض الحكم، وسواء كان ما يجري سببه دراما عنيفة أو مرجعية دينية مغرقة في العبادات ونائية بنفسها عن المعاملات أو تنشئة أسرية مهلهلة أو فقر مدقع أو ثراء مفرط أو حرمان طاغ أو تدليل زائد، فإن الحاجة إلى روشتة سريعة باتت ماسة.

ماذا حدث؟

أوضحت الدكتورة أمل رضوان، أستاذ علم الاجتماع والعلاقات الأسرية، أن الجريمة في أي مجتمع ترتبط بظروف المجتمع نفسه، لذا فزيادة معدل الجرائم في المجتمع المصري ترتبط بظروفه وخصائصه وكذلك المتغيرات التي حدثت به.

وأضافت رضوان في تصريحات لموقع «الطريق»، أن من أهم تلك الأسباب، هو ضعف الوازع الديني والفهم الخاطئ للدين، فالمجتمع الآن يترنح ما بين الإفراط أو التفريط فإما تشدد واهتمام بالمظهر وليس الجوهر وصحيح الدين، وإما تفريط وبعد عن الدين.

وتابعت أن هناك الكثير من الأخطاء التي تحدث في التربية، فالتربية هي حجر الأساس في تشكيل الشخصية وتنشئتها تنشئة سوية وغياب دور الآباء في التربية وانشغالهم بالحياة المادية ومحاولة توفير متطلبات الحياة وإهمال الإشباع العاطفي للأبناء، كما أن أخطاء التربية تقود إلى جيل منحرف.

وأشارت أستاذ علم الاجتماع، إلى غياب دور المدرسة في التوجيه والإرشاد، وثقافة المجتمع التي تشجع على العنف والجريمة والموروثات الثقافية الخاطئة، مثل ما يطلق عليه «جرائم الشرف»، وهو مصطلح خاطئ فلا شرف في الجريمة، فتلك الجرائم تحكمها عادات وتقاليد خاطئة وتدفع ثمنها المجني عليها وليس الجاني.

وأكدت أن جرائم الثأر ما زالت تحصد الأرواح وإن كانت بدأت في الانحسار، وذلك بسبب عادات وتقاليد موروثة، بالإضافة إلى الإدمان، فالمخدرات تزيد من معدل الرغبة لدى المتعاطي في القتل والسرقة وارتكاب الجرائم، وتدمر طريقة حكمه على الأمور، كما أن الإدمان يعد من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى زيادة معدلات الجريمة.

وقالت رضوان إن البطالة والفقر والضغوط الاقتصادية التي تلعب دورا أساسيا في زيادة معدلات الجريمة والجهل، فكلما ارتقى المستوى الثقافي والتعليمي في المجتمع قلت معدلات الجريمة، بينما انتشار الجهل وغياب الوعي يؤدي إلى زيادة معدلات الجريمة.

ونوهت إلى أن العنف في الدراما من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى العنف وارتكاب الجرائم، مع غياب العدل والتعرض للظلم والقهر والعنف، بالإضافة إلى الخلافات الأسرية المتعلقة أحيانا بالميراث وكذلك الطلاق الذي يؤدي إلى انهيار الأسرة وضياع الأبناء، ويترتب عليه العديد من المشاكل، كالتسرب من التعليم وأطفال الشوارع وتشوهات نفسية للأبناء ومن ثم زيادة معدلات الجريمة، فانهيار المجتمع يبدأ من انهيار الأسرة، لذلك يجب أن تتضافر جميع الجهود للقضاء على الجريمة.

وشددت على أنه لابد من تصحيح المفاهيم الدينية ونشر روح السماحة والرحمة وقبول الآخر في المجتمع، وكذلك العمل على نسف جميع العادات والتقاليد المتوارثة التي تخالف صحيح الدين، وتخالف الإنسانية والرحمة والعدل، ويجب أن يكون للمدرسة دور في التوجيه والإرشاد وتقديم القدوة للطلبة، ومن الضروري تأهيل المقبلين على الزواج ليصبحوا آباء وأمهات قادرين على تنشئة جيل سوي وتوعيتهم بأسس التربية الصحيحة.

ولفتت أستاذ علم الاجتماع إلى ضرورة العمل على القضاء على البطالة والفقر وتحسين مستوى المعيشة والقضاء على ظاهرة أطفال الشوارع وإعادة دمجهم في المجتمع مرة أخرى، مع الارتقاء بالمستوى الفكري والثقافي للمجتمع، مع تفعيل دور الرقابة على الإعلام والدراما وما يقدم من خلالهم تفعيل القوانين وتطبيقها على المجتمع دون استثناء، وسن تشريع قوانين تحمي المرأة والأطفال من العنف الأسري.

ما التالي؟

وبدوره، قال الدكتور محمد مهدي أستاذ الطب النفس، إنه في ضوء سلسلة الجرائم ذات التفاصيل العجيبة خلال الأشهر القليلة الماضية، فإن الأمن القومي النفسي بات أولوية قصوى مع فتح الصندوق الأسود لكل حادثة أو جريمة تندرج تحت هذا النوع غير المعتاد لمعرفة الدوافع والأسباب من قبل لجنة من متخصصي علم نفس واجتماع وجريمة لمنع تكرار الحدوث بهذا الشكل الغريب، على أن تقوم هذه اللجنة بدرس التغيرات التي طرأت على البنية النفسية والاجتماعية والأخلاقية للمواطن المصري، ووضع خطة تغطي جميع التخصصات لإعادة بناء الإنسان بشكل حقيقي.

وأكد مهدي، في تصريحات لموقع «الطريق»، ضرورة مراجعة فعالية «المحاضن التربوية»، مثل الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية والمنصات الإعلامية وتقويم قدرتها الفعلية على صقل الأفراد جسديا ونفسيا وأخلاقيا وروحيا.

وأشار أستاذ الطب النفس، إلى أن مسألة المدرسة من دون التزام بحضور إلى المدرسة يجب أن تتوقف، فبناء الشخصية السوية يجب أن يمر بالمدرسة، والسنتر ليس بديلا حتى لو أحرز الطالب الدرجات النهائية.

وشدد على أنه لابد من درس آثار مواقع التواصل الاجتماعي على البنية النفسية والأخلاقية والسلوكية، وذلك للتمكن من وضع برامج توعية وتثقيف رقميين واقعيين، وليسا حبرا على ورق.

وأوضح مهدي أن هناك أشخاصا عاديين في المجتمع يرزحون تحت ضغوط متراكمة، ويقتربون يوما بعد يوم من النقطة الحرجة لانفجار العنف، وهو ما قد يفسر زيادة ظاهرة العنف المفرط، بل وفي زيادة شحنات العنف في الجرائم نفسها حيث جرعات عنف وانتقام تتجاوز الحدث نفسه بمراحل، ولأن الضغوط أنواع وأشكال، ولأنها ليست حكرا على الفقر والعوز، ولأن الضغط يولد الانفجار، والانفجار بات متكررا ومتواترا، فقد أصبح كسر دائرة الجرائم اللامعقولة فرض عين.

اقرأ أيضا: اعترافات المتهم بإنهاء حياة سلمى فتاة الشرقية