الطريق
جريدة الطريق

محمد سويد يكتب: ”أوين وهيكل” و”مبارك ومشعل”.. وهزيمة مصر فى حرب أكتوبر1973!

-

فى صباح يوم 29 أكتوبر 2009، كان على أن أغير خط سيرى الروتينى من مكتبى فى شارع قصر العينى، إلى استاد السلام، شرق القاهرة.

فقد أبلغتنى مديرة مكتب الأستاذ عبد الله كمال رئيس تحرير روز اليوسف – أنه قد فوضنى للحضور نيابة عنه احتفال وزارة الإنتاج الحربى، بذكرى إطلاق أول رصاصة محلية الصنع، بدعوة من الدكتور سيد مشعل وزير الدولة للإنتاج الحربى أنذاك.

حضرت فى الموعد المقرر، وكان على أن أتبع تقاليد بروتوكولية، معروفة لدى المحررين العسكريين، ففى مثل هذه الاحتفالات، يكون الحضور شرفيا، والبيان الصحفى رسميا، لا اجتهاد فيه مع النص.

ولكنى ربما فهمت طبيعة الدعوة خطأ، فقد أمضيت ليلتى بحثا عما يشبع فضولى الصحفى، وهو بالطبع ما قد يثير حفيظة المصدر، أو يدفعه لإجابات غير تقليدية، قد تحمل سبقا صحفيا، أو تذيع خبرا لم يسبق الإعلان عنه.

كان الحدث الأبرز على الساحة أنذاك، استضافة الأستاذ محمد حسنين هيكل، ديفيد أوين وزير خارجية بريطانيا الأسبق، فى الجلسة الختامية لدورة مؤسسة هيكل للصحافة العربية، حول "الصحافة عبر الحدود"، كان ذلك على ما أذكر يوم 14 أكتوبر 2009.

لم تكمن أهمية الحدث بالطبع فى استضافة وزير بريطانى سابق أيا كان حجمه، الصدمة كانت ما قاله ديفيد أوين، بحضور الأستاذ هيكل صاحب الدعوة؛ أن حرب أكتوبر 1973 كانت هزيمة لمصر.

" أوين" تابع فى تصريحاته التى لا تزال منشورة بذات التاريخ على موقع اليوم السابع؛ " أنه بالنظر إلى الحدود العسكرية قبل بداية الحرب ونهايتها، كانت الدبابات الإسرائيلية على مشارف القاهرة، وأن القوات المصرية لم تستطع إيقافها ".
واستند الوزير البريطانى فى روايته إلى كتاب لمحلل عسكرى بريطانى، حول حرب أكتوبر، سرد فيه أحاديث وحوارات لكيسنجر، وانتهى إلى أن "مصر لم تحقق انتصارا فى حرب أكتوبر".

لا أعرف ما وجه العلاقة بين عيد الإنتاج الحربى، وبين تصريحات ديفيد أوين، على وجه التحديد، لكن كان علي أن أنقل دهشتى للدكتور سيد مشعل، وزير الإنتاج الحربى، باعتباره ممثل المؤسسة العسكرية، وهو بالطبع استثمار مثالى، ربما ينتج عنه سبق صحفى هام – هكذا كنت أعتقد.

لحسن الطالع كان هناك مؤتمر صحفى ضمن فعاليات الاحتفال، فحانت اللحظة المناسبة، لأطرح هذا السؤال الصعب، وللحق شاركنى نفس السؤال، الأستاذ محمود بكرى رئيس مجلس إدارة الأسبوع.

ورغم التجهم الذى بدا على وجوه مسؤلى الإعلام، إلا أن السؤال قد تم تمريره، واستفز الوزير، بقدر لم يتمكن معه بالسيطرة على غضبه، فقال؛ "الجيش المصرى حقق انتصار عسكرى وتكتيكى يدرس فى العلوم العسكرية حول العالم، وبفضل هذا الجيش وهذه المعركة، استردت مصر أرضها وكرامتها. وإذا لم ننتصر؟ فمن المنتصر إذا؟!.. إسرائيل نفسها معترفه بالهزيمة!
وتابع؛ لما هذا التدليس؟
و من الذى استضاف ديفيد أوين فى مصر؟ "

قلت له؛ الأستاذ محمد حسنين هيكل، فرد غاضبا؛ إذا كان هيكل نفسه خان وطنه وقلمه..!، كنت أطالع مقالاته فى صحيفة الأهرام وأنا على جبهة الحرب، فلم أجد منها إلا بث روح العزيمة والإحباط التى تسربت لجنودنا على الجبهة، مرتديا قناع التحليل السياسى والاستراتيجى، الذى كان يضخم من حجم إسرائيل وحلفائها إلى حد استحالة العبور واستحالة الانتصار.، واستطرد الوزير فى سرد مواقف لا يتسع المقام لذكرها.

كنت أسجل كل ما قاله بشغف، ولكن قبل أن ينتهى المؤتمر الصحفى، الذى ارتفعت درجة حرارته، كان هناك من يهمس فى أذنى مبتسما؛ ممنوع النشر.

ماذا أفعل إذا؟ وهل يمكن أن يمر هذا الحديث المهم دون أن ينشر؟.. انصرف الوزير إلى سيارته، فلاحقته، مستأذنا بالحديث؛ "معال الوزير، هل يمكن أن أنشر تلك التصريحات؟، فقد أبلغت بمنع النشر، فرد فى تحد؛ "انشر يا ابنى مصر أكبر من هيكل وأنا مباخفش".

سارعت بالاتصال بالأستاذ عبدالله كمال - رحمة الله عليه- وأبلغته عناوين سريعة وموافقة الوزير على النشر، فرد مقتضبا كعادته؛ "برافو مانشيت".

وبالفعل فى صباح اليوم الثانى، انفردت روز اليوسف وحدها فى صدر صفحتها الأولى، برد فعل المؤسسة العسكرية على تصريحات ديفيد أوين، فى مؤسسة هيكل عن هزيمة مصر، فى حرب أكتوبر 1973، تحت عنوان "وزير الإنتاج الحربى: هيكل يخون وطنه".

رغم زهوى بهذا الانفراد الذى حمل عبارة "كتب محمد سويد"، كان المانشيت صادما، وأكبر من حجمى كصحفى مبتدئ، فى حق الأستاذ هيكل، وهو قامة كبيرة وفى أوج عطائه وشهرته وخبراته، رغم بعض المعارك التى كان يزج إليها، ولا يرد كعادته، لكن رد الوزير سيد مشعل كان أبلغ من كل ذلك حين قال؛ مصر أكبر من هيكل، فضلا عن قناعتى أنه ناقل الكفر ليس بكافر.

لم تمر ساعات قليه من صباح يوم النشر، حتى رن هاتفى، الأستاذ عبد الله كمال مقتضبا كعادته؛ صباح الخير: "اعمل حوار موسع مع الدكتور سيد مشعل، عن كل ماذكره وعن حرب أكتوبر، وأبقى عدى على فى المكتب ليك مكافأة وشكرا".

حاولت مرارا الاتصال بالدكتور سيد مشعل، لم يرد كعادة هواتف الوزراء، لكنه عاود الاتصال فى الثانية ظهرا؛ أنا سيد مشعل مين معايا.. ذكرته بنفسى وتحسبا للنسيان، قصصت عليه ما دار بيننا بالأمس، فى عيد الإنتاج الحربى، وطلبت منه إجراء الحوار الذى كلفت به، فقاطعنى؛ "يابنى أنا ممتن ليك وبشكرك بجد، الرئيس حسنى مبارك – رئيس الجمهورية أنذاك- كلمنى النهاردة بعد أن طالع مانشيت روز اليوسف، وأشاد بمقالتك وقال لى أنا بشكرك لأنك رديت غيبة المؤسسة العسكرية".