الطريق
جريدة الطريق

إبراهيم شعبان يكتب: ظاهرة عادل إمام.. الكوميديا والوطن

إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان -

الفرق بين عادل إمام، ومن تبعه من الكوميديانات المصريين كالفرق بين النور والظلام، وليس في هذا التشبيه أدني مبالغة.

فإذا كان عادل إمام، وطوال 60 سنة من الفن بدأ منذ الستينيات بكوميديا راقية وهادفة، اقتربت في كثير من موضوعاتها من قضايا جادة في المجتمع، فإن كل من جاءوا بعده وسموا آنذاك بالكوميديانات الشباب، أمثال هنيدي ومحمد سعد وهاني رمزي، وما لحقهم بعد ذلك أمثال أحمد مكي وأحمد حلمي- ما عدا حفنة قليلة من أفلامه- أو علي ربيع أو غيرهم، فقد قدموا أفلام "الهلس"، فلا قصة ولا مناظر ولا قضية، ومجرد ضحك ماسخ، وفي الغالب "اصطناع الضحك".

ولذلك حفل العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، بظاهرة عادل إمام وحمله على الرؤوس والأكتاف في كل بلدان العالم العربي، وحققت أفلامه أعلى الإيرادات في وقتها ولعشرات السنين، تتمتع بنسب مشاهدة عالية جدا على الفضائيات، وفي كل وقت تعرض فيه. بينما لا يعرف العالم العربي من "مسوخ الكوميديا في مصر"، أحد، وللأسف فوجودهم عندنا فقط وبفقاعات إعلامية مزيفة.

وإذا كان الاحتكام للفن والأعمال والمقدمة، فليقل لنا أي واحد منهم عن فيلم واحد له أو اثنين قدما قضية أو تناولا هما بالمجتمع؟ للأسف لا شىء سوى ضحكات فارغة و"مسخ" وتهريج ولا شىء غيره.

والفرق مع الفنان القدير، عادل امام، والذي قدم طوال رحلته الفنية ما لايقل عن 126 فيلما، فعلى الأقل نصفها أو يزيد قضايا جادة، هل ينسى أحد الإرهابي أو المنسي أو طيور الظلام أو مرجان أحمد مرجان أو إحنا بتوع الأتوبيس، أو الغول أو السفارة في العمارة أو غيرها، أفلاما وقفت أمام قضايا الفساد والتطرف ومعاناة المهمشين.

ظل عادل إمام في أفلامه، رمزًا للمواطن البسيط وكانت مشاكله الحقيقية دائما مادة حاضرة في أفلامه، هل ينسى أحد منا كراكون في الشارع أو الأفوكاتو او حسن ومرقص أو النوم في العسل أو عمارة يعقوبيان، لدرجة أن كثيرا من جمل ومشاهد هذه الافلام لا تزال محفورة في ذهن المشاهد المصري والعربي.

وفي المسرح، لم يكن عادل إمام فقط ظاهرة مسرحية، اُبتدعت مع ظهوره بقاء المسرحية كاملة العدد ومحجوزة مقاعدها لأسابيع طويلة، ويستمر عرضها لسنوات، كما حدث مع شاهد ما شافش حاجة والواد سيد الشغال والزعيم وغيرها. ضحك وقضايا ودموع وفن.

عادل إمام، خلطة سحرية للفن الجميل طوال 6 عقود، قدم فيها الفن والمتعة والجمال والمناظر والقصص بلغة أهل السينما، وتصدى بجرأة لقضايا سبق بها عصره. لأنه كان فنانا ذكيا من قلب الشعب ويعرف معاناته.

ولا نبالغ أبدا إن قلنا إنه امتداد للفنان العظيم الراحل نجيب الريحاني، الذي قدم في أفلامه وفي أربعينيات القرن الماضي، مختلف قضايا وهموم المواطن المصري، فظلت حتى اليوم أفلاما خالدة نشاهدها ونضحك عليها ونلتقط رسالتها الممزوجة بالفن والمنسابة داخل العمل الفني المحكم.

ولكن اليوم، ومع توفر أموال وعشرات الملايين للانتاج، وأجور بمثلها، فلا تقدم إلا "كوميديا وقحة بلهاء"، لا معنى لقصصها ولا إفيهاتها. من يكتب؟ ومن يشاهد؟ ولمن هذه الأعمال؟!

بصراحة، من الظلم أن يتقدم هؤلاء صفوف الفن بعدما رحل الكبار أو حجزهم الزمن، بعد تقدمهم في العمر ومن الظلم للجيل الجديد مثل هذه الأعمال التي تسمى ظلما "كوميديا وفن".

وأخيرا وفي الاحتفال بعيد ميلاد الزعيم عادل امام، لا يسعنا إلا القول إنه كان وسيظل فنانا قديرا وشاملا. يعلم تمامًا ما يقدمه، استغل نجوميته الأسطورية لخدمة قضايا وطنه فتفاعل معه الجميع.. متعه الله بالصحة، أما من جاءوا بعده فليخجلوا إنهم من بلد عادل إمام.

نقحوا أعمالكم، ارتقوا بأفلامكم وابحثوا عن الكوميديا الحقيقية، والضحك الجميل بلاش "الاستهبال في الفن"، والاستعباط على المراهقين والصغار. احترموا رسالة الفن.

وختامًا نقول للزعيم عادل إمام.. شكرا على تاريخك وأعمالك، شكرا على إبداعك أستاذ عادل وتعظيم سلام للوطن الذي أنجبك.