محمد دياب يكتب: التصوير في العزاء

في السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة التصوير في العزاء بشكل لافت وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تعجُّ بالصور ومقاطع الفيديو من داخل سرادقات العزاء والمقابر. هذه الظاهرة التي بدأت كتصرفات فردية تحولت إلى سلوك متكرر يثير الجدل حول مدى احترام مشاعر أهل الفقيد وحفظ خصوصية اللحظة
العزاء مناسبة حزينة تجمع الأهل والأصدقاء لتقديم المواساة والدعاء للمتوفى وليس ساحة للتصوير والاستعراض. حين يرفع أحدهم هاتفه لتوثيق المشهد فإنه لا يدرك أنه يتعدى على خصوصية أهل الفقيد الذين يكونون في لحظة ضعف وحزن وغير مستعدين للظهور أمام الكاميرات
من غير المقبول أن يصبح العزاء مادة يتم مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي سواء بحسن نية أو بدافع البحث عن التفاعل فمشهد النعش أو دموع أهل المتوفى ليست لقطات جديرة بالنشر بل هي مشاهد إنسانية تستوجب الاحترام والتقدير
ليست كل لحظة في الحياة قابلة للتوثيق فثمة مشاهد يجب أن تبقى في إطارها الإنساني العميق. الموت ليس فرصة لنيل المشاهدات والعزاء ليس مناسبة للبحث عن التفاعل الإلكتروني. حين يُختزل الحزن في صورة تُنشر وتعليقات تتراكم يفقد الفقد معناه ويتحول الموت إلى مجرد حدث عابر
يبدو أن انتشار هذه الظاهرة مرتبط بتراجع الوعي الاجتماعي حيث أصبح التصوير هاجساً لدى البعض في كل المناسبات حتى الحزينة منها. في الماضي كان الناس يتجنبون حتى الحديث عن العزاء أمام أهله مراعاة لمشاعرهم أما اليوم فقد صاروا يوثقونه بالصوت والصورة دون أدنى اعتبار
حان الوقت لإعادة النظر في هذه الممارسات غير اللائقة ووقف التصوير في العزاء احتراماً لحرمة الموتى ومشاعر أهلهم. يجب أن يكون هناك وعي مجتمعي بأهمية الخصوصية في مثل هذه المناسبات وأن يدرك الجميع أن العزاء ليس مكاناً للظهور أو توثيق اللحظات بل هو مساحة للتضامن الإنساني والتعاطف الصادق
الموت حدث جلل يستوجب الاحترام والعزاء يجب أن يبقى بعيداً عن عدسات الكاميرات ليظل محتفظاً بوقاره وهيبته