الطريق
جريدة الطريق

منار عبد الله تكتب: الإذاعة في عصر الذكاء الاصطناعي.. هل يفقد الصوت سحره أمام الخوارزميات؟

-

لطالما كان للصوت سحره الخاص، ذلك الدفء الذي تحمله الكلمات عندما تنطلق من الأثير، فتبني في أذهان المستمعين صورا تفوق أية شاشة رقمية، والإذاعة كفنٍ عريق تجاوز العقود، ظلت صامدة أمام الوسائل المنافسة، لكنها اليوم تواجه تحديا من نوع خاص هو الذكاء الاصطناعي. فهل ستصبح أصوات المذيعين ذكريات عابرة في سجل التاريخ، لتحل محلها الخوارزميات والأصوات الرقمية؟ أم أن الإذاعة ستجد طريقها للتعايش مع هذه الثورة؟.

في السنوات الأخيرة، شهدنا تطورا مذهلا في تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث بدأت بعض المؤسسات الإعلامية بتجربة مذيعين افتراضيين يعتمدون على هذه التقنية، ما أثار جدلا واسعا حول مدى قدرة هذه التكنلوجيا على استبدال العنصر البشري.

لكن، هل يمكن لخوارزمية مهما بلغت دقتها أن تنقل مشاعر المفاجأة، الحزن، أو الفرح كما يفعل المذيع البشري؟ هنا يكمن التحدي الحقيقي، فالإذاعة لم تكن مجرد صوت ينقل الأخبار، بل كانت وستظل فنا يعتمد على التفاعل العاطفي والبشري، فبدلا من النظر إلى الذكاء الاصطناعي كمنافس شرس، يمكننا التفكير فيه كأداة لتعزيز العمل الإذاعي.

على سبيل المثال، تستخدم بعض المحطات الذكاء الاصطناعي في تحليل اهتمامات المستمعين، مما يساعد المذيعين في تخصيص المحتوى بشكل أكثر دقة، كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في اقتراح محاور اللقاء، وتحرير المواد الصوتية بسرعة أكبر، ما يمنح المذيعين وقتا إضافيا للتركيز على الجوانب الإبداعية في عملهم.

تخيّل لحظة يروي فيها مذيع قصة إنسانية مؤثرة، فتشعر بنبرة صوته تتغير، بالتنهدات الصادقة، بالتوقفات التي تحمل في طياتها معاني أعمق من الكلمات ذاتها، هذه التفاصيل الصغيرة هي ما يصنع الفرق، وهي ما يجعل المستمع يرتبط بالصوت، لا بالمحتوى وحده.

لكن التحدي الذي يواجهه الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي، ليست الوظائف وحدها بل السيولة المعلوماتية، فقد أصبح الوصول إلى المعرفة أكثر سهولة من أي وقت مضى، بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تُنتج محتوى متطورا خلال ثوانٍ. لكن هذه القدرة الفائقة تطرح تساؤلا خطيرا عن كيفية التمييز بين المعلومات الدقيقة والمحتوى المزيف.

ختاما أرى أن ذكاء الاصطناعي هو انعكاسٌ لقدرتنا البشرية على الابتكار، وبينما يقودنا نحو مستقبل أكثر تطورا، يبقى علينا أن نحدد كيف نستخدمه بحكمة، فالمعرفة ليست في تجميع المعلومات، بل هى رحلة مستمرة نحو الفهم العميق والوعي النقدي.

وفي زمنِ ترويض الخوارزميات، ما زالت الكلمة الصادقة تحتاج نفَسا بشريا يعرف كيف يتنهد بين جملة وأخرى، وكيف يُربك الصمت حين يكون أبلغ من كل حوار، فإلى أن يأتي يوم تُبث فيه البرامج بلا مذيعين، وتضحك معنا الآلة كأنها فهمت النكتة، دَعوا لنا المايك، واتركوا لها المعادلات.