الطريق
جريدة الطريق

شحاته زكريا يكتب: بابا الفاتيكان الجديد.. وترامب الذى لا يكفّ عن المفاجآت

-

فى لحظة إنسانية فارقة ودّع العالم البابا فرنسيس الحبر الأعظم الذى أعاد إلى الفاتيكان بريقه الإنسانى وروحه الإصلاحية ، وفتح أبواب الكنيسة أمام الفقراء والمظلومين والمهمّشين. رحيل فرنسيس ترك فراغا روحيا كبيرا.ليس فقط لمليار و400 مليون كاثوليكى، بل لكل من رأى فيه صوتا للسلام فى عالم يعجّ بالصراعات.

لكن فى خضم مشهد وداع البابا لم يتأخر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن اقتناص الأضواء. فقد أثار الجدل كعادته بتصريح ساخر عقب عودته من جنازة فرنسيس قال فيه إنه "كان يفضل أن يكون بابا الفاتيكان بدلا من رئيس أمريكا"، وهو ما أتبعه بنشر صورة له –عبر حسابه الرسمى– مرتديا زيّ البابا الأبيض فى سابقة لم تخل من الطرافة ولا من الاستفزاز.

ورغم أن ترامب سارع للتنصّل من المسؤولية عن نشر الصورة مدعيا أنها مجرد "دعابة أزعجت الإعلام فقط"، فإن ردود الأفعال لم تكن على ذات الخفة. فقد عبّر بعض رجال الدين الكاثوليك خاصة من الكنيسة الأمريكية عن امتعاضهم معتبرين أن المزاح فى هذا السياق تجاوز الحدود الرمزية للكرسى الرسولى وأساء لمقام البابوية.

فى هذه الأجواء المشحونة بدأت فعاليات المجمع المغلق لانتخاب البابا الجديد خلفًا لفرنسيس داخل كنيسة السيستينا فى قلب الفاتيكان. وكما هو متوقّع تُجرى العملية وسط تكتم بالغ وبين تيارين متنافسين: أحدهما محافظ يريد عودة الكنيسة إلى تقاليدها الصارمة والآخر إصلاحى يمضى على خطى البابا الراحل الذى منح الكنيسة بعدا اجتماعيا وإنسانيا واسعا.

وكان فرنسيس الأرجنتينى الجنسية قد كرّس سنوات خدمته لبناء جسر بين الكنيسة والعالم فأدان الحروب ، ودافع عن المهاجرين ، ونبّه إلى مخاطر الرأسمالية المتوحشة ووجّه فى وصيته الأخيرة لفتة مؤثرة بإهداء سيارته الطبية الخاصة لأطفال غزة وهو ما رسّخ صورته كرمز عالمى للسلام والرحمة.

اليوم تتجه الأنظار نحو قبة الفاتيكان فى انتظار صعود "الدخان الأبيض" الذى سيعلن ميلاد بابا جديد. وبينما تتردد أسماء متعددة خلف الجدران المغلقة فإن التحديات أمام البابا المنتظر لا تُحصى فى زمن يتسارع فيه كل شيء: من تغير المناخ إلى تصاعد النزاعات إلى أزمة اللاجئين ، وتراجع القيم الأخلاقية فى كثير من أنحاء العالم.

أما ترامب فلا يبدو أنه سيتراجع عن عادته فى صناعة الضجيج حيثما حلّ. مزاحه بشأن منصب البابا –رغم كونه خارج السياق– أعاد التذكير بطبيعته الجدلية التى لا تفوّت فرصة إلا وتحوّلها إلى دعاية أو استقطاب والمفارقة أن من يفترض به أن يكرّس وقته لمعالجة الانقسامات الأمريكية الحادة والتوترات الدولية المتصاعدة يبدو أكثر انشغالا بصورته على وسائل التواصل الاجتماعى!

لكن التاريخ يعلمنا أن الباباوات لا يُنتخبون على وقع التغريدات وأن الكنيسة –رغم تعقيداتها– تظل أحد أقدم المؤسسات التى تعرف كيف تُميّز بين الهزل والجد. فهل يكون البابا الجديد امتدادا لنهج فرنسيس الإنسانى؟ أم تستعيد الكنيسة روحا أكثر تحفظا؟ الإجابة ستحملها الأيام القادمة والدخان الأبيض.