الطريق
جريدة الطريق

أيمن رفعت المحجوب يكتب: لماذا لا ننصر الحق أولا؟

-

لبعض الهنود تمثال يعمله بيده، فإذا هب من نومه في الصباح
لا ينطلق لعمله إلا إذا قدم لذلك الإله الذي صنعه بيده آيات الحمد والشكر وهذه هي صلاة الصباح عندهم.

وأظن أننا في مصر لا نملك أنفسنا من الابتسامة لهذه القصص ولكننا إذا رجعنا إلي أنفسنا وجدنا أننا كنا نعمل إلي عهد قريب أعمالا مضحكة تكاد تكون في أصلها كعمل ذلك الهندي وإن كانت صورها أقل جفاءً.

إن الحكومات في أي زمان وكيلة عنا، نحن نصبناها للقيام بأعمالنا، نحن الذين ندفع لهم بأموالنا، وندفع عنها بأولادنا، ولكننا مع ذلك ولفترات طويلة من الزمان تعجز الذاكرة عن رصدها وقفنا من أفرادها موقفاً يقرب من وقف ذلك الهندي أمام تمثاله إلا أن التغيير السياسي الذي نشأ بعد العديد من الثورات جاء لينصر الحق الذي خذله كثير من رجال السلطة والحكام وأحزابهم علي مر العصور، وليبين الحقيقة التي طالما اجتهد أغلب مرتدي رداء السلطة سترها عن الشعب طمعاً في نعمة تتدلي إليهم.

إنما هذا الغضب الشعبي جاء بعد ذالك فى 30 يونيو 2013
لكي يفجر مصلحة يجب أن تضحي في سبيلها كل المصالح، ومقاماً يلزم أن يكون أرفع المقامات وأقدسها، وهما 'الوطن والمواطن' وقد يجد الظالمون الباقون ممن كان، أنفسهم في هذا المدمار ما يروج بضاعتهم، ولكن الغضب الوطني الحقيقي لا يحفل بيعهم أو بيع غيرهم، ولا يعول في أداء مأموريته عن التلميح، بل علي التصحيح، لأنه يعد التورية في مقام البيان موارية لا تليق بشأن الأحرار ولا يصح الاعتماد عليها في كشف الحقيقة وتنوير الافهام.

وهنا نقول إن لكل مصري حق الرأي، ونقول أيضاً لرجالات الحكم، رويدكم فإنه لا يستطيع أحد من بعد اليوم أن يحط بكرامة المواطن بحق أو بباطل، وجعل الشعب مجرداً من الإرادة، فهل يليق بورثة 'ابن عباس' و'أبي حنيفة' الذي جلس ليتولي القضاء فأبي، أن يأبوا علي الشعب الاجتهاد بالرأي في عمل كل القائمين علي الحكم وأداء حكومتهم؟

أو هل يليق بورثة 'روسو' في الإرشاد إلي الحرية والاستقلال،
أن يحدوا من الحرية واستقلال الأفراد بالتهديد والوعيد، وأن يستبيحوا الغرض الذاتي تحت مسمي 'خدمة أمن واستقرار الوطن بعد كل هذه الثورات، وأن يتصدر أحدهم الاستجوابات كأنه أقام محكمة في خياله لإرادة الشعب ليصدر الأحكام علي من يخالف الرأي، لا نشك بعد ذلك في أن من يقول هذا القول الهزل يستهين بأفكار الشعب وإرادته الحرة.

إن في مصر شباباً أصبحوا يقولون الحق، وبطل مبدأ المؤيد من هذا التقديس للتمثال القديم, ورفع كل منهم النصيحة ومواطن ألم الناس لا يخالطها رعب وتقريب ولا رهب من إقصاء، وعليكم الآن يا يا مجلس النواب والحكومة وعقلاء وحكماء ومفكري هذا الوطن بالتوجه تلقاء هذه الإرادة الشعبية، فإنه آن للعقول أن تفك من قيود الوهم، فقد أضناها القيد، وأن تعرض ما عندها من سوق الأفكار الإصلاحية بكل مذاهبها حتي يتبين الصالح من الفاسد.

فإن حياة الباطل في غفلة الحق منه ، فالأمم الحرة مفترض مثل مصر الان ان لا تتكون من أفراد بل جماعات، فإذا كان أحد يتصور أن الرتبة لا تأتي إلا من عبادة غير الله عز وجل والخضوع لغير الدستور والقوانين الشعبية التى تصدر عن الشعب من مجلس النواب، فإن رتبته إنما تكون شارة له أنه يدوس بقدميه شرف أمة بل وشرف الإنسانية جمعاء، وما علي نفس المصري الأصيل هذا بقليل.

وإننا في النهاية نسوق هذا القول لامثلة جديد وقع بين ظهرانينا مؤخرا وكثيرة ولبيان أنه يجب علينا أن نروض أنفسنا و السلطة الحاكمة من اليوم علي الأخلاق الدستورية الحرة، فإنها هي التي ستجيء لنا لا محالة بالتغير الشعبي الذي بدأ بدولة مؤسسات متكاملة، وبذلك يؤسس الحكم في مصر علي الكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية الحقيقية والتوازن الاقتصادي الذي يحمي الفرد والجماعة والوسطية الدينية واحترام الآخر وتفعيل سيادة القانون بالرغبة دون الرهبة.

وفي ذلك تكون سعادة المحكومين والحاكم ، وتستقيم الدولة الجديدة علي مذهب واحد 'مصلحة الوطن والمواطن' من خلال دستور تم صياغتة واعتمد الشعب ليكون عادل متوازن يدخل في اعتباره مصالح كل طوائف المجتمع المصري.

بسم الله الرحمن الرحيم
'إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلي الله فليتوكل المؤمنون' صدق الله العظيم آل عمران 160.

أستاذ الاقتصاد السياسي والمالية العامة
كلية الاقتصاد والعلوم السياسية
جامعة القاهرة