الطريق
جريدة الطريق

شحاته زكريا يكتب: العالم يعيد ترتيب أوراقه.. والصين لم تعد تتفرّج

-

لم تكن بكين يوما عابرة في ممرات السياسة الدولية لكنها لعقود آثرت الصمت ، وفضلت البناء بعيدا عن الأضواء. كانت تنمو في الظل ، تزرع وتنتظر الحصاد. واليوم يبدو أن موسم القطاف قد بدأ.

ما نشهده ليس مجرد صعود اقتصادى لدولة كبرى ، بل تحوّل استراتيجى فى موازين القوة العالمية. الصين التى كانت تراقب من بعيد بدأت تدخل إلى الميدان ، لا بوصفها لاعبًا عاديًا، بل كمشروع متكامل ينافس على قيادة العالم. لقد تغيرت قواعد اللعبة ولم تعد واشنطن وحدها من يكتب السيناريو.

السؤال الأهم الآن: لماذا قررت الصين أن تتحرك؟
الإجابة الأقرب إلى الواقع أن اللحظة الدولية نضجت. فمنذ الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، اكتشفت بكين أن الحياد لم يعد يحميها وأن الجدران العالية لا تمنع الطوفان. فبدأت ترد بالمثل: اقتصاديا أولا، ثم سياسيا، وأخيرا استراتيجيا.

في الشرق الأوسط حيث تعثّرت واشنطن لسنوات ، ظهرت بكين كوسيط هادئ لكنه فعال. صفقة تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران لم تكن سوى إشارة البدء. لم تتحدث الصين كثيرا لكنها فعلت ما عجزت عنه كبريات العواصم. ذلك أنها لا تسعى لتصدير نموذج ، بل لتثبيت حضور يحترم الخصوصيات ويستثمر في الفراغات.

التحرك الصينى ليس مجرد ردة فعل ، بل يبدو أنه خطة متأنية: التوغل الناعم عبر مبادرة "الحزام والطريق"، وبناء تحالفات اقتصادية مرنة وتطوير شراكات غير مشروطة. لا حديث عن الديمقراطية ، ولا ضغط بملفات حقوق الإنسان. فقط المصالح وهذه لغة تفهمها العواصم جيدا.

لكن هل يُكتب لهذا الصعود أن يستمر؟
الصين تواجه تحديات داخلية ضخمة: شيخوخة سكانية تفاوت تنموى، وعلاقات غير مستقرة مع الجيران. كما أن العالم الغربى رغم تراجعه النسبي لن يتفرج طويلا واشنطن تحديدا تدرك أن السباق لم يعد تجاريا فقط بل وجوديا.

ما يجب أن ندركه كدول عربية أن العالم يتغير بسرعة هائلة وأن التموقع على الخريطة الجديدة يتطلب رؤية لا مجرد ردود أفعال. الصين ليست البديل عن الغرب لكنها فرصة لإعادة التوازن. الأذكياء فقط هم من يعرفون متى ينحازون وكيف يفاوضون.

العقود المقبلة لن يحكمها من يملك السلاح فقط بل من يملك القدرة على تشكيل التحالفات ، وإعادة تعريف المصالح. الصين فهمت الدرس. والآن جاء دور الآخرين.