شحاته زكريا يكتب من قلب طهران: حين دقّت الحرب الباب دون إنذار

ليست القصة فى الصواريخ التى سقطت ولا فى أسماء الجنرالات التى ارتعشت أمامها الشاشات. القصة فيما لم يُقَل. فيما جرى خلف العيون المُطفأة فى قلوب الناس الذين لم يُستشاروا فى شيء ثم طُلب منهم أن يتحملوا كل شيء.
ما جرى فى إيران ليس مجرد عملية عسكرية محكمة من إسرائيل ولا استعراض تكنولوجى عابر للحدود. هو رسالة صريحة أن الزمن تغيّر وأن الملعب الإيرانى لم يعد آمنا كما كان. فى قلب طهران وعلى مرمى حجر من أجهزة الحرس الثورى اخترقت الصواريخ الصمت والهيبة وتركت وراءها أسئلة أكبر من حجم الحطام.
من الذى حُسمت معركته فعلا؟
ومن الذى يملك ترف الرد؟
وهل هناك بعد اليوم مكان للمناورة ، أم أن اللعبة وصلت إلى نهاياتها الحادة؟
الضربة لم تكن عشوائية. الأهداف كانت أشخاصا بعينهم شخصيات تمثل العصب الصلب للنظام: قيادة الحرس عقل التخطيط الاستراتيجى ، صلة الوصل بين الجامعات والمفاعلات. بضربة واحدة حاولت إسرائيل قطع الأعصاب الدقيقة لا العضلات إرباك المخ لا الجسد.
لكن الأخطر ليس فيما ضُرب بل فيما لم يُضرب بعد. فكل عملية نوعية تفتح أبوابا جديدة للأسئلة وتغلق أبوابا كانت تظنها الأنظمة محصنة. وما بعد الضربة ليس كما قبلها إيران التى رفعت شعار الرد المناسب فى الوقت المناسب باتت محاصرة بهذا الشعار فإما أن ترد وتخسر حسابات أوسع أو تصمت وتخسر صورتها أمام جمهورها.
وفى الحالتين الخاسر الأكبر هو المنطقة.
لا أحد يربح حين تتحول الأرض العربية والإسلامية إلى حلبة لتصفية الحسابات الكبرى لا لبنان ولا سوريا ولا العراق ولا اليمن تملك رفاهية تحمّل نيران الوكلاء والضرب فى طهران ليس سوى فصل جديد من مسلسل استنزاف طويل لا أحد يعرف نهايته لكن الجميع يعرف ضحاياه: شعوب مسحوقة واقتصادات منهكة وخرائط مفتوحة على كل الاحتمالات.
ومصر، كما كانت دائما ترى الصورة الأعرض لا تدخل صراعات تُدار عن بُعد ولا تندفع فى ردود فعل تُحركها الغرائز تعرف أن الحرب ليست هتافا وأن الكرامة لا تُستعاد بالصوت العالى بل بالحكمة والقرار المستقل. لذلك تظل القاهرة رغم كل الضجيج – صوت العقل الوحيد الباقى فى غرفة ممتلئة بالبارود.
الدرس الآن لمن أراد أن يفهم: حين تضرب إسرائيل فى قلب إيران فإن الرسالة ليست لإيران وحدها بل لكل العواصم التى اعتقدت يوما أن الجغرافيا تحميها من المفاجآت.
وحين تصمت طهران لا يعني ذلك أنها استسلمت بل أن موازين الرد قد أصبحت رهينة معادلات أكبر من "الصوت والصدى" العالم تغير والساحات مفتوحة والقوة لم تعد احتكارا لأحد ولا الحماية ضمانة دائمة لأى نظام.
ما جرى فى إيران ليس حادثا عابرا بل هو زلزال سياسى وعسكرى وأمنى قد يُعاد ترميمه إعلاميا ، لكن شقوقه العميقة ستبقى زمنًا طويلا تهدد كل من يحاول أن يتجاهل الحقائق تحت عباءة الأيديولوجيا أو الشعارات.
فالحروب اليوم لا تبدأ بإعلان ولا تنتهى بتصريحات والضربة التى أسكتت طهران مؤقتا قد تكون بداية لعصر مختلف، تتغير فيه قواعد اللعب ويتراجع فيه "اللاعب التقليدى" لصالح مَن يجيد التوقيت ويعرف من أين تُؤكل السيادة.