الطريق
جريدة الطريق

أيمن رفعت المحجوب يكتب: التنمية الاقتصادية بين الانسجام مع الطبيعة أو تدميرها

-

أكد الكاتب "وانير" كما نعرف جميعاً أن البلدان النامية هي بلاد تتمتع بثروات كامنة ، من شأنها أن تتيح استعادة مزيد من رأس المال ، ومن العمل ، ومن الموارد الطبيعية ، وذلك من أجل إعالة سكانها الحاليين ، وتمتعهم بمستوى من العيش اللائق والكريم ، أو بمستوى مرتفع من الدخل الفردي.
وعليه يمكن أن نستنبط معنى "التنمية" باعتبارها الاستثمار الكامل لجميع الموارد والقوى الطبيعية والبشرية.
وهنا تتبدى التنمية في أحد مظهرين:
الانسجام مع القوى الطبيعية ، والسيطرة عليها.
ويكون الانسجام مع القوى الطبيعية من خلال الاستفادة مما تهبنا الطبيعة من عطايا وخيرات، ويكون ذلك بالبحث عن الكنوز والمعادن الدفينة في الأرض، واستخراجها، ومعالجتها.

وفي تسخير البحار ومياهها في التجارة والملاحة والصيد ، وتوليد الطاقات... الخ.
فلا بدع ، إن كان انسجام الانسان مع الموارد الطبيعية عاملاً من عوامل الاختصاص العالمي في الانتاج ، كما قال "تروتشي":
"أن استعداد كل أمة للتنمية الاقتصادية ، منقوشاً على متن الأرض التي تسكنها"!.

إلا أن الانسجام مع الطبيعة بدأ بفقد مكانته تجاه نتائج مقاومة الانسان لأثر الطبيعة وسيطرته عليها.
وبهذا وحده اختلفت مقاييس التباين والتفضيل بين الأمم ، فأصبحت مدينة الأمم تقاس بمقدار سيطرتها على القوى الطبيعية ، لا بانسجامها معها ، أو خضوعها لها.

فقد أغار الانسان على البحر في البلدان الواطئة ، فاستصلح السهوب والسهول ، واقتص من البحر أجود التربة وأخصبها.

وحاول الانسان في كثير من دول العالم أن يتغلب على توسيع الاقليم بزراعة البقاع التي تجذب الأمطار وتنظمها ، ونقل نباتات الاقليم تدريجياً فأقلمها واستنبطها في إقليم ومناطق أخرى وفي أوقات أخرى غير مواسمها الطبيعية ،
مما أحدث تطوراً كبيراً في مجالات عدة ، إلا أنه خلق اضطرب في تكوين الطبيعة وأفضى إلى فوضة عالمية في الأسواق.

وكما بنى الانسان على مبدأ الانسجام مع الطبيعة فكرة الاختصاص العالمي (والذي بدأ تدريجياً يتلاشى ، فقد بني على مقاومة الانسان للطبيعة فكرة الاقتصاد المعقد أو القومي.

إلى أن انتهى العالم إلى نشر فكرة الدعوة في كل مكان إلى عدم الاكتفاء الذاتي الزراعي والصناعي ، ونشأت عن ذلك فكرة سياسة الزراعة والتصنيع كوسيلة استثمار للموارد الطبيعية أكثر نفعاً وجدوى خارج حدود الإقليم ، فقد تكون الشركة أمريكية وتزرع في السودان وتصنع في كوريا وتبيع وتتسوق في بلد رابعة.

إلا أن هذا التكافل الزراعي الصناعي التجاري دائماً ما يصب في صالح الشركة الأم ويسقط حقوق الأخرين.