الطريق
جريدة الطريق

تكريم علي الحجار

-


ساعات قليلة تفصل عشاق الفن الحقيقي وجمهوره الراقي، عن تكريم الفنان الكبير علي الحجار، في تظاهرتين فنيتين متزامنتين، برعاية الدولة المصرية ممثلة في وزارة الثقافة.

الأولى تنطلق فعالياتها غداً السبت 17 أغسطس، وهي الدورة الـ12 للمهرجان القومي للمسرح، وتحمل اسم الراحل الكبير كرم مطاوع، ويرأسها الفنان الكبير أحمد عبد العزيز، وتشهد منافسة فنية نتوقعها متوهجة، بين ما يقرب من 70 عرضاً مسرحياً، من خلال 3 مسابقات، تتوالى على مدار أسبوعين، الأولى تختص بالعروض الاحترافية العامة لفرق القطاعين العام والخاص، والثانية تختص بعروض فرق الشباب، بينما تختص الأخيرة بالعروض الموجهة للأطفال، رئاسة لجنة تحكيم المهرجان القومي للمسرح في دورته هذا العام، يتولاها المخرج المسرحي الكبير الفنان فهمي الخولي، والحائز مؤخراً على جائزة الدولة التقديرية في الفنون، الحدث يواكب صحوة مسرحية، تلعب دور البطولة فيها مسارح الدولة.

التظاهرة الفنية الثانية، تنطلق بعد غدٍ الأحد 18 أغسطس، وهي الدورة الـ 28 لمهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء، وتقيمه سنوياً دار الأوبرا المصرية، بالتعاون مع وزارة الآثار، وسط أجواء قلعة صلاح الدين التاريخية الساحرة بالقاهرة، وتشهد دورة هذا العام 42 حفلاً دولياً متنوعاً على مدار أسبوعين، تضمها مسارح محكى القلعة 1، محكى القلعة 2، ومحكى القلعة 3، ويواصل المهرجان في دورته الـ 28 رسالته في تحقيق العدالة الثقافية، بالوصول بألوان مختلفة من الفنون الراقية، إلى أكبر قطاع ممكن من الجماهير، وبسعر رمزي موحد لتذكرة الدخول 20ج هذا العام، قيمة مهرجان القلعة تكتمل بحضور قاعدة شعبية عريضة، تزيد من عام لآخر.

اختار المهرجان القومي للمسرح علي الحجار لتكريمه هذا العام، ضمن 16 شخصية أثرت الحياة المسرحية بأعمالها الفنية، ولمن لا يعلم، وقد يندهش من تكريم علي الحجار، وهو من هو كمطرب، في مهرجان خاص بالمسرح، فإن رصيد الحجار المسرحي يصل إلى 30 مسرحية، شارك في بطولة أولاها "ليلة من ألف ليلة" عام 1977، وهو نفس العام الذي شهد انطلاق مسيرته الاحترافية، على يد عبقري الموسيقى العربية بليغ حمدي، قبل أن يواصل مسيرة مسرحية حافلة، تألق في معظمها على خشبة مسارح الدولة، بينما حرص على أن ينتج لنفسه، حين اعتلى مسرح القطاع الخاص، حتى لا يقع أسيراً لقوانينه، وهو ابن مسرح الدولة.

بعض من تصدر علي الحجار مشهد البطولة في أعمالهم المسرحية، هم من المحسوبين على قمة "أبو الفنون" ومنهم كبار المؤلفين توفيق الحكيم وألفريد فرج ولينين الرملي، وكبار الشعراء صلاح عبد الصبور ونجيب سرور وفؤاد حداد، وكبار المخرجين كرم مطاوع وحسن عبد السلام وسمير العصفوري، وكبار الممثلين محسنة توفيق وأشرف عبد الغفور ويحيى الفخراني، وتاريخ المسرح المصري يشهد، بأن أعمال الحجار المسرحية، تنوعت بين الجاد والكوميدي والاستعراضي، كما أنها تسجل له رقماً قياسياً بين المطربين في تاريخ الغناء العربي، والعذر ممنوح لمن يجهل تاريخ علي الحجار المسرحي، باعتبار أن معظم أعماله المسرحية قدمها على خشبة مسرح الدولة، ولم تحفظها ذاكرة التليفزيون.

على الناحية الأخرى، فإن تكريم علي الحجار في مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء، ضمن 10 شخصيات ساهمت في إثراء الساحة الغنائية الموسيقية في مصر والوطن العربي، هو تكريم يصادف أهله بحق، فنحن هنا نتحدث عن مسيرة غنائية تجاوزت الأربعين عاماً، لم يغادر علي الحجار خلالها يوماً صُحبة التفوق الاستثنائي على ساحة الغناء العربي، ورصيده فيها حتى الآن متعه الله بالعمر والصحة، 25 من الألبومات الغنائية، وتترات وفواصل أكثر من 100 من المسلسلات التليفزيونية، وبطولة غنائية في 13 فيلماً سينمائياً، ومثلها في 7 أعمال إذاعية، وبخلاف ما أشرنا إليه من 30 عملاً مسرحياً، ورقم قياسي من الحفلات الغنائية في مصر وخارجها.

بعد سيدة الغناء العربي أم كلثوم، علي الحجار هو المطرب الوحيد الذي التقى جمهوره، في حفلات شهرية منتظمة لما يزيد على 10 سنوات، هو لا يغني والسلام، وإنما مطرب صاحب رؤية ورسالة ومنهج، يصرف على فنه من جيبه حتى لا تحكمه قواعد السوق، ولم يُضْبَط يوماً متلبساً بالجلوس على حِجْر السلطة، تجده غالباً مقيماً في أستوديو الحجار، يسجل أغنية جديدة، أو يجري بروفات حفلة قادمة، أو يمنح من خبرته متطوعاً لموهبة جديدة في الشعر أو الموسيقى أو الغناء، يصقلها قبل أن يخرج بها إلى النور، علي الحجار لم يجرِ يوماً وراء المال، قدر ما يلهث وراء فن حقيقي وإبداع متميز.

العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة، هكذا يرى علي الحجار الطريق، لمواجهة الظواهر الغنائية الشاذة، المنتشرة في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، إنتاج فن حقيقي هو الحل لطرد أي فن مزيف، ولم تكن تجربة علي الحجار يوماً إلا فناً حقيقياً، وهي ليست فقط تجربة تستحق التكريم، وإنما قصة نجاح جديرة بالتوثيق.