الطريق
جريدة الطريق

هيكل أمام محكمة الجنايات

-

فى يناير 1924 اكتسح الوفد كافة الدوائر فى أول انتخابات أجريت فى ظل دستور23 فكان على الوزارة القائمة أن تستقيل لتخلى مكانها للوزارة التى أجمعت الأمة عليها ولكن الملك فؤاد الذى كان لا يطيق الدستور ولا سعدا أوعز إلى يحيى إبراهيم بالبقاء فى الوزارة القائمة إلى ما بعد إنتخابات مجلس الشيوخ أملا أن تحدث فى تلك الفترة معجزة تخلصه من هذا كله لكن سعدا لم يستسلم فصرح لمراسل رويتر فى القاهرة بتصريح زلزل السراي وأجبر رئيس الوزارة على تقديم استقالتها فى الحال.

وجاء تصريح سعد كالتالي: "على يحيى باشا إبراهيم أن يستقيل وذلك أمام حقيقتين كبيرتين.. الأولى أن البلاد قد أوضحت رأيها بشكل لا يمكن الشك فيه والثانية أن رئيس الوزراء قد هزم فى الإنتخابات وفاز عليه مرشح الوفد!

ولم تمض ساعات قليلة على تصريح سعد حتى قدم يحيى إبراهيم استقالته إلى الملك فلم يجد الأخير بدا من تكليف سعد بها، فشكل الأخير وزارته التى كانت تحترم المعارضة وتعامل أفرادها على قدم المساواة مع مؤيديها، ورغم ذلك شن الدكتور محمد حسين هيكل رئيس تحرير جريدة "السياسة" لسان حال حزب الأحرار الدستورية وقتها هجوما على مجلسى النواب والشيوخ، طبقا لما ذكره صلاح الأسواني في جريدة الوفد، وكل هذا والزعيم صامت تماما!

وهرع إليه النواب متسائلين: لماذا لا يرد أحد على هيكل؟! فأجاب سعد: دعوه يكتب ما يشاء فهذه تجربة وليدة لابد أن نخطئ فيها حتى نعرف الصواب!

لكن سعدا غير رأيه فجأة وذهب إلى النائب العام وقدم بلاغا ضد هيكل اتهمه فيه بسبه والقذف فيه فى حقه، وأحيل هيكل (مفرجا عنه) إلى محكمة الجنايات!

وفى الخامسة من صباح يوم الجلسة استيقظ هيكل على رنين التليفون وسمع المتحدث على الطرف الآخر يقول له: البقية فى حياتك لقد توفى شقيق محاميك، فسقط قلب هيكل بين ضلوعه، فقد أجلت الدعوى من قبل ولن تسمح المحكمة بتأجيلها مرة أخرى حتى يستطيع أن يستعين بمحام أخر أو حتى لكى يحضر محاميه الذى لن يترك جنازة أخيه لكى يحضر قضيته هو، على رغمه قرأ بعين خياله عناوين الصحف الوفدية التى ستصدر فى اليوم التالى وهى تزف لقرائها بخط عريض خبر الحكم عليه بالسجن، وقال هيكل فى نفسه أجل إنها فرصة الحكومة، ولن تدعها تفلت منها أبدا!

فى المحكمة جلس هيكل فى قفص الإتهام فى استسلام محزن وأليم لما قد تجرى به المقادير، ونادى الحاجب على هيكل فوقف متثاقلا وهم بأن يطلب من المحكمة تأجيل الدعوى، لكنه فوجئ بمحاميه يندفع إلى قاعة الجلسة مهرولا ليقول بصوته الجهورى حاضر مع المتهم!

وترافع توفيق دوس قائلا: تركت جنازة أخى لأشهد مأتم الحرية! ماذا حدث؟ لقد أبدى هيكل رأيه فى سعد زغلول رئيس الوزراء، فهل سعد هذا إله معبود أم أنه نبى معصوم؟ أنه بشر يا سادة، بشر يخطئ ويصيب ومن حق هيكل بل ومن واجبه وواجب الجميع نقده، وإلا تحول إلى رب يسير على قدمين! ومن ثم فإننى أطلب الحكم ببراءة هيكل.

اقتنعت المحكمة بوجهة نظر الدفاع فأصدرت حكمها بالبراءة، والعجيب أن سعد زغلول نفسه ابتهج ببراءة هيكل وقال لخلصائه إننى سعيد بهذا الحكم لأنه أثبت أنه فى مصر صحافة حرة تنقد رئيس الوزراء وأن فى مصر قضاء نزيها يستطيع أن يحكم ضد رئيس الوزراء ولو كان الرئيس هو سعد زغلول!!