الطريق
جريدة الطريق

«100 سنة غنا».. مين يا عسيري علمك لعب العصى ع الخيل؟!

-

على مدار مئة عام تقريبا والأغنية المصرية تروح وتجئ في محاولة تغذية وجودها وتأصيله لكنها في محاولة البحث تلك لم تفارقها السياسة وهذا ما يكشفه لنا الكاتب الصحفى محمد العسيري في كتابه الصادر عن دار
بتانه "100 سنة غنا.. الأغنية السياسية".

كتاب يتتبع تاريخ الأغنية السياسية فى مصر بدءا من "واح.. واح.. إياح" التى خرج المصريون فى نهاية عصر الأسرة السابعة عشرة بلا عدد يتغنون بها والتى صارت بعد خمسة آلاف وربعمائة سنة من ذلك
التاريخ "وحوي .. يا وحوي.. أياحه".

من هنا يتسائل كاتبنا: هل ثمة علاقة ما بين هذه الأغنية الشعبية الخالصة التى استعاد الفاطميون استنساخها لتغنيها شوارع بنت المعز خلف "الفوانيس" في استقبال "الخليفة المعز" وبين ما أبحث عنه وفيه من تاريخ منسي للأغنية السياسية بعرض مائة عام؟!
الكتاب يجيب على هذا السؤال من خلال الحديث عن أهم محطات تلك الأغنية السياسية فمن أمينة شخلع إلى شادية ومن سيد درويش نقترب من خليفته محمد عبد الوهاب ومن أدهم الشرقاوى إلى حمامة عبد الحي حلمى لربما نرى
كيف صارت أغنية مصر السياسية وكيف خرجت من "العوامة"؟!

يتميز الكتاب -المؤلف من ستة عشرة دراسة قصيرة كما أحب أن أشير أو ستة عشرة فصلا كما يشير الكتاب- بموضوعه الشيق وبأسلوبه شديد الجاذبية، وتبدأ أغلب الدراسات بإستفهام صريح بغض النظر عن الأسئلة الضمنية، فمدخل الكاتب إلى دراسته وربما إلى قارئه أيضا هو السؤال، حتى أن اقتباسه الشعرى
الأول داخل الكتاب جاء على شكل سؤال للشاعر أحمد فؤاد نجم الذي قيل إنه كان يوجه
سؤاله لإبراهيم الوردانى ومن هم مثله "مين يا فتى علمك.. لعب العصى ع الخيل؟
.. وازاي قطفت القمر .. من فوق شواشي الليل؟".


أما عن لغة الكتاب فهي مزيج من العامية والفصحى، ينتقل ما بين كليهما فى تناوب وسلاسة شديدة الذكاء، ولماذا لا يمزج بينهما إذن وهو يتحدث عن الأغنية المصرية التى تهيمن عليها اللغة العامية؟ وكيف له إلا يمزج بينهما إذا كان يريد أن تتسق لغة التحليل مع لغة النصوص التى يدرسها أو يشير إليها.

والحقيقة أن الكاتب استغل لغة العامية هذه فى التباسط مع القارئ العادي الذي لا يمكن أن يمل من كتاب كهذا الذي بين يدينا، وجره -كما يقول د. أحمد مجتهد- إلى مصطبة واحدة ومخاطبته مباشرة خطاب الصديق للصديق.

الغريب فى هذا الكتاب والمختلف، وهو ما قد يعيبه البعض عليه بسبب التحيز الشخصي هو أن الكاتب لا يخفي شيئا من قناعاته، ولا محبته وكراهيته، فعلى قدر محبته ليونس القاضي واهتمامه به بوصفه شاعرا مبدعا
وزعيما سياسيا، بقدر كراهيته لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم التى يصرح لنا فى بداية مقالاته عنها: "لا أحب أم كلثوم.. ولا أعتبر نفسي من مريديها".

وكذلك في الثلث الأخير من الكتاب ربما قد يكون الكاتب إنحاز لتاريخ بعض مشاهير الغناء المصري ومؤسسيه على حساب تاريخ الأغنية ذاتها، بل كان الاهتمام الأكبر بصاحب الأغنية أو مطربها ذاته أكثر من أي شئ أخر وهو ما يظهر جليا حتى فى عناوين الدراسات أو الفصول الأخيرة التي جاءت كالتالي: "عبد الوهاب.. راقص التانجو الذي أكل "المانجو"! ، رصاص الملك يطارد عبد الوهاب العاطفى في أبو قرقاص! ، الحب والحرب في مملكة اسمهان، ليلى مراد: جزيرة الفضة التي أممها عبد الناصر، أم كلثوم.. المرأة التي باعت
البربري واشترت نفسها!".


قد يختلف البعض أيضا مع الكاتب محمد العسيري كما أختلف معه د. أحمد مجاهد الذي كتب مقدمة جادة للكتاب في عنوان الكتاب الرئيسي وهو "الأغنية والسياسة"، فقد رأى "مجاهد" -كما رأيت أنا- أن هذا العنوان لا يتسق مع مادته من الناحية المنهجية والموضوعية، فمن الناحية المنهجية لو راجعنا المارجع التى اعتمد عليها الكاتب فسنجد أن المراجع التى تنتمى إلى دائرة السياسة والتاريخ أكبر بكثير من المراجع التى تنتمي غلى دائرة الموسيقى،
كذلك مدخل الكلام والتحليل في معظم الدراسات التى تضمنها الكتاب هو الحدث التاريخي وما نتج عنه من إبداع فني وليس العكس. وهنا لا يكون تقديم كلمة "الأغنية" على كلمة "السياسة" في العنوان، متسقا تماما مع
طبيعة الكتاب الذي تناقش مادته السياسة والغناء.