«عار كورونا» في الأرياف.. من لم يمت بالفيروس مات بـ« كلام الناس»

مصابون يروون صراعهم مع كورونا سرا
محمد: أمي أخفت إصابتي بالمرض عشان العار وكلام الجيران
كريم: «أعتبروني فيروسًا يمشي على الأرض»
إذا كانت مهمة كورونا هي حصد الأرواح والتسلل إلى رئات البشر، فإنّ الفيروس القاتل سيكون مدينًا بالفضل لثقافة شديدة السوء تشهد حضورًا في بعض قرى مصر، عنوانها الأبرز هو «عار الفيروس».
منطقي ومفهوم أن يُسجّل كورونا حضورًا كبيرًا في الريف باعتبار أنّ أناسًا كثيرين يعيشون في مجتمع صغير، يتزاورون فيما بينهم، في مناسبات الحزينة والسعيدة، في أزمنة الأوبئة أو "اللا أوبئة".
لكن المرعب أن يعطي الناسُ رخصة الانتشار أمام الجائحة، بفعل ثقافة يفترض أن يكون قد عفا عليها الزمن، وهي إخفاء الإصابة خوفًا من أن يلاحقهم ما يعتبرونه «عار الإصابة»، وبالتالي ينخرطون في مجتمعهم، وهو ما يُمثّل تهديدات مرعبة نحو تفشٍ أكبر لهذا الوباء الفتاك.
محمد.. النظرة غير اللطيفة
في إحدى قرى ريف الدلتا، اعتاد «محمد» على أن يكون بين الناس بحكم عمله، يراه الناس أمامهم طوال الوقت في محله التجاري، لكن غيابه شكّل لغزًا، وقف وراءه كورونا و«عار الفيروس».
محمد البالغ من العمر 31 عامًا، يقيم بمركز طنطا، بمحافظة الغربية، أصيب هو وزوجته بفيروس كورونا، وكانت حالتهما صعبة في البداية، لكنّها تحسّنت نوعًا ما مع مرور الوقت.
يروي محمد قصته لـ«الطريق»، قائلًا إنّه عزل نفسه وزوجته، فيما اضطر إلى إرسال طفليه البالغين "3، و6 سنوات"، إلى أحد قربائه حتى لا تنتقل العدوى إليهما.
ويضيف أنّه لم يبلِغ أحدًا بإصابته بالفيروس لكنّه عزل نفسه حتى لا يتسبّب في إصابة غيره بهذا الفيروس.
لم يكن هذا هو السبب الوحيد بالنسبة لهذا الشاب، الذي يؤكّد أنّ نظرة أهل الريف للمصاب بفيروس كورونا تكون "غير لطيفة" على الإطلاق.
يكشف "محمد" أنّه شاهد بعينيه تعليقات من بعض الأشخاص عن مصابين بكورونا، تتضمّن ما أسماها بـ"الطائفية"، وكأنّ الإصابة بالفيروس وصمة عار.
ويوضح الشاب أنّ والدته هي من أصرّت على إخفاء إصابته وزوجته، وبحديثنا إليها، فقد اكتفت بالقول: "إحنا ناقصين.. هيبقى مرض ونظرة وحشة من الناس.. هنا الناس بيعاملونا على إننا فيروسات مع إن كلنا في الهوا سوا".
"محمد" يشير إلى أنّ والدته تخشى من "كلام الناس" الذي يكون مؤلمًا وموجعًا، فرأت أنّ إخفاء الإصابة أمرٌ قد يساهم في التخلص من هذه "الوصمة" التي لا ذنب لهم فيها.
لكن في الوقت نفسه، لا يرى "محمد" في هذا الإخفاء جدوى كبيرة، حيث أنّ مجرد اختفاء أحد عن الناس كافٍ لتفسير أنه أصيب بكورونا.
حسين.. التجول المرعب
القرية ذاتها كانت على موعد مع واقعة إخفاء أخرى لكنّها أشد رعبًا، فـ"حسين"، يعمل فلاحًا، ويبلغ من العمر 52 سنة، أصيب بفيروس كورونا، وحصل على علاجٍ بالمنزل.
"حسين" مكث في المنزل إلى أن استقرت حالته نوعًا ما، لكنّه كان لا يزال مصابًا بالفيروس، ولأنّ الإصابة في نظره وأسرته كانت سببًا في تباعد الناس عنهم، لجأ "حسين" إلى حيلة "مرعبة".
قرر الرجل حسبما يروي لنا جيرانه - النزول والتجول في الشارع بشكل طبيعي في محاولة للتصوير أنّه لم يعد مصابًا بالفيروس.
يُفسّر جيران حسين، بأنّ أقدم على فعل ذلك ليبلغ الناس بأنّه غير مصاب بكورونا، وذلك على غير الحقيقة، وهو ما يحوي خطرًا كبيرًا، بالنظر إلى أنّه قد ينقل العدوى بشكل كبير.
ولعل ما يضاعف المخاوف في مثل هذه الحالات، هو تزايد الاختلاط في الأرياف، سواء في المناسبات السعيدة أو الحزينة،حيث يتجمع الناس بشكل كبير دون أي إجراءات احترازية ودون مراعاة لوجود هذا الوباء المخيف، حسبما يؤكّد الأهالي.
أحد الأطباء هناك تحدّث إلينا، طالبًا عدم ذكر اسمه، قائلًا إنّ القرية دفعت ثمن هذه الثقافة السيئة بالفعل، حيث تُسجّل إصابات عديدة بالقرية، لكن دون يعلن أحدٌ عن إصابته، بل هناك كثيرون ممن يصابون يتعاملون بشكل طبيعي مع جيرانهم، وهو ما يُشكّل خطرًا كبيرًا في تزايد الإصابات.
كريم.. أصابه "كلام الناس" وليس الفيروس
واقعة أخرى كانت أشد دلالةً على "وصمة كورونا"، بطلها شاب يبلغ 27 عامًا، يدعى كريم، من محافظة كفر الشيخ، ويعمل بأحد المصانع بمدينة العاشر من رمضان.
قصة كريم تضمّنت تفاصيل غريبة، فالشاب عاد إلى منزله بإحدى قرى مركز بيلا، بعدما أصيب أحد زملائه بالمصنع بفيروس كورونا، فقررت الإدارة منح جميع العاملين إجازة لمدة عشرة أيام لحين إجراء التحاليل على بقية العاملين وتعقيم المصنع بشكل كامل.
حسبما يروي قصته لـ"الطريق"، أجرى "كريم" التحاليل اللازمة وتبين عدم إصابته بفيروس كورونا، وكان قد حرص على التباعد وعزل نفسه بشكل احترازي، لكن أهل القرية كان لهم تفسير مفاجئ.
"كريم عنده كورونا".. هذه المعلومة غير الصحيحة تداولها مواطنو القرية بشكل مكثف، زعمًا أنّ الشاب بعدما عزل نفسه فهذا معناه إصابته بالفيروس المرعب.
يقول "كريم" إنّه تعرّض للتنمر وواجه نفورًا غير مقبول من المحيطين به على الرغم من إبلاغهم بأنّه غير مصاب، كاشفًا عن نظرات وصفها بـ"الخبيثة" من قبل الكثيرين الذين كانوا يتجنبون المرور من أمام منزله.
يعلق كريم: "ما حدث معي كان صعبًا للغاية، الناس اعتبرني أنا كورونا، اعتبروني فيروسًا يمشي على الأرض، الأكثر من ذلك أنهم عندما يقابلوني في الشارع أكون متهمًا أنني أحاول الإضرار بهم".
كورونا ووصمة العار
هذه الوقائع الثلاث يمكن القول إنّ تتضمّن مخاطر مرعبة فيما يتعلق بالتعامل مع كورونا في الريف المصري، وكيف أنّ ثقافة الخوف من "وصمة العار" حسبما يراها البعض هناك، تُمثّل عامل خطر كبيرًا للغاية، فيما يتعلق بتزايد حالات الإصابة بالفيروس بشكل كبير.
ولم تستبعد مصادر طبية، تحدّثت لـ"الطريق" أن يكون إخفاء الإصابة بالفيروس هو سبب رئيسي في تصاعد عدد حالات في الريف على وجه التحديد، وذلك لأنّ نسبة الاختلاط تكون أكبر، كما أنّ ثقافة المحافظة على النفس ربما ليست بالقدر المناسب.
يتفق مع ذلك الباحث في علم الاجتماع الدكتورأحمد يحيى الذي يقول لـ"الطريق" إنّ بعض مصابي كورونا في الريف على وجه التحديد يميلون إلى إخفاء حقيقة الإصابة بالفيروس خوفًا من نظرة المحيطين بهم لهم.
ويرى الباحث الاجتماعي أنّ الإعلام عليه توجيه رسائل مباشرة للمواطنين ليس فقط فيما يتعلق بالتوعية من كيفية الحفاظ على أنفسهم من الإصابة، لكنّ تجنب النظر بشكل سلبي أو عنصري تجاه المصابين.