الطريق
الأربعاء 7 مايو 2025 12:01 صـ 9 ذو القعدة 1446 هـ
جريدة الطريق
رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس التحريرمحمد رجب
سجون الاحتلال .. هنا المكان الذي يعجز فيه الذكاء الاصطناعي عن مجاراة وسائل التعذيب ضياء رشوان: ”الإخوان.. إعلام ما بعد السقوط” يناقش ماكينة الدعاية للجماعة بعد انهيارها إسرائيل تدمر مطار صنعاء ومرافق حيوية دون إصابات شاهد| وزير الزراعة: خطة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وتعزيز الصادرات الزراعية إطلاق اسم الشيخ عبد الحميد الأطرش على معهد بني هلال الابتدائى الأزهرى تخليدًا لذكراه وزير الثقافة يستعرض مشروع القرار الوزارى بفتح باب الترشح لمنصب رئيس أكاديمية الفنون الأهلي يفوز على سبورتنج ويتأهل لنهائي كأس مصر لكرة السلة منى الشاذلي تحتفي بأبطال منتخب مصر للجودو غدًا كشف ملابسات واقعة التعدى بوحشة على فتاة بالعاشر من رمضان وزير التربية والتعليم يترأس اجتماع المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي لمناقشة خطة العام الدراسي 2025 / 2026 وزيرة التنمية المحلية تتابع مع قيادات الوزارة سير العمل في 16 مركز تكنولوجي بـ9 محافظات على مستوى الجمهورية ︎”الصحة” توقع بروتوكول تعاون مع ”ميرك ليميتد” لتصميم برامج تدريبية للأطقم الطبية

الشيخ الشعراوي.. رئيس دولة «تفسير القرآن»

يقينًا، لن يستطيع شيخ بعده – مهما كان ظهوره الإعلامى دائمًا مكررًا، ومهما حاول تقليده – أن ينالَ قدرًا يسيرًا من مكانة الشيخ محمد متولى الشعراوى، رحمه الله، فى قلوب محبّيه وعاشقيه ومُريديه، الذين يُقدَّرون بالملايين، ليس فى مصرَ وحدها، بل فى معظم الدول العربية والإسلامية، على الرغم من أنّ اسم الشيخ الشعراوي وآراءه ومواقفه المتباينة، كل أولئك لايزال يثير جدلًا لا ينتهى، حتى بعد وفاته بنحو إحدى وعشرين سنة، فقد توفى فى 17 يونيو 1998!.

ولد الشيخ محمد متولى الشعراوى فى الخامس عشر من ابريل عام 1911م بقرية دقادوس التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وبعد أن حفِظ القرآن فى كُتّاب القرية – كما كانت العادة – أصرّ والده على أن يستكمل نجله التعليم فى الأزهر، رغم احتياجه إليه للعمل فى الزراعة إلى جانبه، ثم التحق الشعراوى بكلية اللغة العربية سنة 1937م، وقبل ذلك، كانت أحداث العام 1919م واندلاع الثورة الكبيرة فى برّ مصر كلها خطا فاصلا لاندماج الشيخ الصغير، وقتذاك، فى الحياة السياسية لمقاومة المحتلّ الإنجليزى، خصوصا مع خروج المظاهرات من الجامع الأزهر الشريف، لكن على أى حال، كان دور الشيخ الشعراوى وقتها كطالب صغير فى معهد الزقازيق الأزهرى محدودًا، ربما لم يكن يتعدّى الغضب والمشارَكة فى المظاهرات وتأجيج عزائم زملائه بكلماته الثائرة البليغة، لكن تبقى أحداث ثورة 1919، خطا فاصلا – كما قلتُ سابقا – بين الشعراوى الطالب والشعراوى السياسي!.

مع بداية الإرسال التلفزيونى فى مصر، كان الشيخ الشعراوى على موعد جديد مع الشهرة والانتشار العظيم؛ إذ إنّ الراحل أحمد فراج، أحد أهم الإذاعيين فى تاريخ مصر، استطاع استغلال تعلّق المواطنين بهذا الاختراع المدهش الطريف، فقدّم إليهم برنامجه «نور على نور» ليكون همزة وصل بين أشياخ الدين وبين الناس فى البيوت والمقاهى، لاسيما بعد بداية توغل المد الدينى فى مصر فى أعقاب هزيمة العام 1967، وحقق بهذا البرنامج انتشارا كبيرا وشهرة عظيمة لا منافس لها، خصوصا بعد استضافته الشيخ الشعراوى، لأول مرة، ليلة الإسراء والمعراج، فكان برنامجه أحد أسباب ظهور وانتشار الشيخ الشعراوى بعد أن كان لا يعرفه أحد.

فى كتابه «الثقافة الشعبية فى العالم العربى: الفنون، السياسة والإعلام»، يقول الكاتب الإنجليزى أندرو هاموند Andrew Hammond إن النفوذ الكبير للشعراوى بدأ فى البزوغ عقب هزيمة 1967 أمام إسرائيل وتراجع القومية العلمانية، فى تلك الظروف قاد الشيخ حملة كبيرة للعودة إلى القيم الإيمانية التقليدية، مُستغلا ما خلّفته محاولة التوسّع المدينى من تفشٍ للعشوائيات الفقيرة، وأصبح صوت ملايين الصامتين ممَّن لا يحبّون العلمانية ولا يهتمون بالإدلاء بأصواتهم فى صناديق الانتخابات ولكنهم يشاهدون التلفزيون بشكل كبير جدا!.

تمتع الشيخ الشعراوى بحسّ فكاهى رائع، وسرعة بديهة مدهشة، الأمر الذى ساعد على تعلق الناس به، خصوصا مع بساطته فى شرح وتفسير آيات القرآن، وضربه الأمثال لتقريب الصور والمعانى فى أذهانهم، على الرغم من أن تفسيره، أو خواطره كما كان يحب أن يسميها، عالة على تفسير الرازى والبيضاوى، وقد يمرّر نكتة ريفية أو حكاية شعبية وهو يفسّر أو يشرح، ومن طريف ما يحكى أنه ذهب، فى مطلع شبابه، مع صديق له لمقابلة أمير الشعراء أحمد شوقى، فى منزله بالهرم، فسأله ما الذى تحفظه عنى؟ فأنشده ما يحفظه من شعره، فسأله: ولماذا تحفظ كل هذه القصائد؟ فقلت له: لأن والدى كان يمنحنى ريالا عن كل قصيدة أحفظها لك، ثم اردف قائلا: لكننى أعتب عليك قولك: رمضان ولّى فهاتها يا ساقى.. مشتاقة تسعى إلى مشتاق.

فكيف هذا ورمضان شهر طاعة وعبادة؟! فضحك شوقى، ثم قال للشعراوى: ألست حافظا للقرآن؟ فرد عليه الشعراوى: بلى، فقال له: ألا تعرف الآية التى تقول «وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ»، فقال الشعراوى: كان ردا أفحمنا.. وبعدها بستة أشهر توفى شوقى.

وأخيرا، فقد كتب الشيخ الشعراوى بخط يده، قبل وفاته بنحو عام، فى ابريل من العام 1997، تقريظا فى حق الراحل الكبير، المتهم دائما بكل نعت ظالم قبيح، طه حسين، عميد الأدب العربى، قائلا: «خير تكريم لطه أن أسأل الله النفع لكل من أخذ عنه وقرأ له حتى يتصل خير عطائه لكل أبناء العروبة إلى أن تقوم الساعة رحمة وجزاءً عما قدم للغة القرآن»، فهل يتعلّم أصحاب (دكاكين الكُفر) من الشيخ الراحل السماحة وحق الاختلاف؟!.