الطريق
الجمعة 19 أبريل 2024 02:51 صـ 10 شوال 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

حوار مع الأديب | سيد الوكيل

في حواره.. الوكيل : ”موقع صدى ذاكرة القصة المصرية” ردا على مقولة ” زمن الرواية”

الاديب سيد الوكيل
الاديب سيد الوكيل

يعد الكاتب والناقد "سيد الوكيل" روائي وناقد مصري، قصة امتدت لعشرات السنين من الكفاح والإصرار في الوَسَط الأدبي والثقافي، رأس تحرير عدد من السلاسل التي تصدرها وزارة الثقافة المصرية كان آخرها سلسلة "إبداع قصصي" التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

كما أن لديه العديد من المؤلفات منها على سبيل المثال لا الحصر مجموعته القصصية الأولى "أيام هند"، ومجموعته " للروح غناها"، و "مثل واحد آخر"، "لمح البصر"، و"الحالة دايت"، بالإضافة إلى عدد من الروايات منها "شارع بسادة"، "فوق الحياة قليلا"... والعشرات من الدراسات النقدية .

وعن رحلته في عالم الكتابة، كنا قد سلطنا الضوء على مشروعه "موقع صدى ذاكرة القصة المصرية"، وهذا ما تحدثنا عنه بالتفصيل في السطور القليلة القادمة.

  • ما الإرهاصات التي أدت إلى إنشاء موقع "ذاكرة القصة المصرية" ؟

تبلورت الفكرة في ذهني في أعقاب انتشار مقولة " نحن في زمن الرواية"، فظن البعض أن زمن القصة القصيرة قد انتهى، حقيقة ظلت القصة طوال الوقت تكتب بجوار الرواية دون تضارب بينهما على مر التاريخ, بل الحقيقة الأهم أن القصة القصيرة هي الفن السردي الأول الذي عرفته مصر، ثم عرفت الرواية بعد ذلك بسنوات طويلة.

ولاقت القصة القصيرة انتشارا جماهيريا لأنها واكبت عصر التكنولوجيا، لأنها أصبحت بمثابة فن بسيط في مجتمعات المدن خاصة في العصر الصناعي,

فالقصة فن له تأثير عظيم، فقد أنقذت الرواية، حيث لم تكن الرواية تعرف مفهوم "التقنية" التي قدمتها القصة القصيرة، حيث قدمت القصة طرائق جديدة للتفكير السردي وتقنيات وأساليب جديدة للتعبير والتقطت مشاهد جديدة ومختلفة لم تكن تطرحها الرواية من قبل.

ومن ثم هناك تحالف بين القصة والرواية لا يمكن لأحدهما أن يستغنى عن الآخر، ولهذا كان إطلاق مقولة " زمن الرواية" التي أطلقها البعض، هي مقولة غير علمية وغير منطقية على الإطلاق.

متى كانت البداية الفعلية ل "ذاكرة القصة القصيرة" ؟

في عام 2007 بالتحديد حدث ولأول مرة أن حجبت جائزة الدولة التشجيعية _على الرغم من أنه كان متقدما عددا لا يقل عن 18 كاتبا مميزين منهم على سبيل الذكر أحمد حميدة وصفاء النجار وغيرهم _ وأثار هذا الحدث جدلا ظل مستمرا لفترة طويلة في الجرائد والمجلات المصرية وظل السؤال مطروحا في دهشة .. لماذا حجبت جائزة الدولة التشجيعية؟!

ولم يكن هناك أي تفسير لما حدث، غير أن هناك بعض الجهات السلطوية في الإدارة الثقافية، أرادت أن تثبت مقولة " زمن الرواية" وأن القصة قد انتهت. وطبعا هذا الحدث لم يتكرر بعد ذلك لأنهم أدركوا أنهم على شفى حافة غضب عنيف من كتاب القصة القصيرة.

ووأزدهرت الجوائز المعروفة للرواية دون القصة, على سبيل المثال "جائزة البوكر" المتخصصة في الرواية و"جائزة الطيب صالح" و"جائزة قيتارة" وبذلك أصبح الاهتمام بالرواية بمثابة الهوس.

هنا أدركت الخطر المحدق بالقصة والرواية نفسها أيضا، لأنهما كما أشارنا نوعان متداخلان، فالقصة فن له جذور على مر التاريخ، فلابد من هذه الحالة التنافسية بين القصة والرواية، لأن هذه التنافسية تدعم وجود كلا منهما،

كما أنه يجب أن نطرح على أنفسنا سؤالا: ماذا لو تخلصنا من فن القصة القصيرة إلى الأبد؟ من يضمن أن تظل الرواية باقية .. ولم يفكر أحد بأن يتخلص من كتابة الرواية وبذلك نكون قد قضينا على الأدب والإبداع الأدبي, ثَمّ كان لابد من إحياء القصة القصيرة مرة أخرى.

وأول ما فعلته في هذا الصدد هو أنني كتبت في مجلة الكرمة مقالا تحت عنوان "ذاكرة القصة القصيرة"، فكتبت عن محمد المخزني وتجربته القصصية، وسعيد الكفراوي وغيرهم.

وتوالت كتاباتي التي تناهض المحاولات المتعمدة في تهميش فن القصة القصيرة، وذلك في العديد من المجلات والجرائد الثقافية مثل إبداع و الثقافة الجديدة وغيرها.

كيف انتقلت "ذاكرة القصة القصيرة" إلى موقع إلكتروني؟

منذ عام 2018 بالتحديد وعقب المؤتمر الخاص بالقصة القصيرة الذي وكلت لرئاسته بأتيليه القاهرة والذي أكتظ بعدد كبير جدا من الشباب الموهوبين في كتابة القصة، وأيضا عقب مقالي الذي نشر في مجلة عالم الكتاب تحت عنوان "يقظة القصة القصيرة"، مشيرا فيه إلى تاريخ القصة وتحولاتها وتطورها، وقتها قررت ألّا حاجة لنا بمؤسسات الدولة أو دور النشر فنحن نستطيع أن ننهض بالقصة القصيرة مرة أخرى بمجهوداتنا الذاتية فكل فرد على الإنترنت هو بمنزلة مؤسسة بذاته، واتجهت إلى تصميم الموقع على مدونة (بلوجر) يحمل عنوان صدى ذاكرة القصة المصرية" وكان الإقبال ضعيفا وقتها وظل كذلك لفترة ما يقرب عن عامين إلى أن اتسع انتشار الموقع.

ما العوائق والعراقيل التي واجهتك في مشروع "ذاكرة القصة القصيرة"؟ وكيف تخلصت منها؟

واجهت العديد من المصاعب في بداية الأمر، أولها أنني تحملت لمدة عام ونصف تقريبا عبء قراءة وتنقيح القصص التي كانت ترسل للنشر بمفردي، نظرا لأن العمل في الموقع كان مجانيا ولم يكن هناك دعم من الآخرين، فالبعض تكاسل عن دعمي نظرا لعدم وجود عائد مادي وهذا أجهدني نظرا لعدم خبرتي الكافية بالتكنولوجيا وكذلك بحكم الكم الهائل من القصص التي كانت ترسل للموقع وهذا كان فوق قدرتي الفردية على الاستمرار.

تخطيت هذه العراقيل بمساعدة أستاذة "ميرفت ياسين" وهي أديبة متميزة، بدأت علاقتها بالموقع بأن أرسلت لي قصة لنشرها ثم لاحظت لديها الموهبة وحب المجال فعرضت عليها أن تشاركني في النهوض بالموقع وبالفعل وافقت بل أحدثت طفرة في الموقع بسبب نشاطها واجتهادها وسعيها لتطوير الموقع وتطلعها على الوسائل التكنولوجية الحديثة وقد كانت "ميرفت ياسين" بمثابة الهدية التي وقعت عليّ من السماء ليستمر الموقع حتى الآن.

ماذا عن محتويات موقع "صدى ذاكرة القصة المصرية"؟

لم يكن الموقع مختص بنشر القصة المصرية فقط، بل كان الموقع مقسم إلى عدد من الأبواب، منها الباب الأهم والرئيسي وهو ذاكرة القصة المصرية، ثم يأتي باب "إبداعات قصصية" للكتاب المصريين الشباب الجدد، ثم باب "الأدب العربي" الذي أختص بالنشر للعرب من كل مكان, ثم باب "الترجمة" وقد حمل الألم يكن الموقع مختص بنشر القصة المصرية فقط، بل كان الموقع مقسم إلى عدد من الأبواب، منها الباب الأهم والرئيسي وهو ذاكرة القصة المصرية، ثم يأتي باب "إبداعات قصصية" للكتاب المصريين الشباب الجدد، ثم باب "الأدب العربي" الذي أختص بالنشر للعرب من كل مكان, ثم باب "الترجمة" وقد حمل الأستاذ الدكتور "أحمد الشيمي" أستاذ الأدب الانجليزي بجامعة بني سويف_ على عاتقه عبء هذا الباب ولولاه لما استطعت الاستمرار في نشر هذا الباب، نظرا لأن المبدعين والمترجمين أصبحوا يركضون خلف المسابقات والجوائز والعائد المادي ولا يهتمون بما أحاول لترسيخه من حفظ وإنعاش للقصة القصيرة المصرية.

ماذا عن نشاط الموقع؟

الموقع لا يتوقف على النشر فقط، بل نقوم بجلسات نقاشية عبر تطبيق الزووم، حيث نستقبل عدد من الكتاب والنقاد لنعرض إلى وجهات نظرهم في أعمال مبدع من المبدعين الذين نكون قد أعددنا ملفا مسبقا عنه، وهذه الحلقات النقاشية تقدم تحت عنوان "قصة أون لاين".

وكذلك نهتم بتسليط الضوء على البؤر الثقافية في مختلف أقاليم مصر وتشجيع الشباب الموهوبون وبدأنا هذا في شهر رمضان السابق حيث دعونا الشباب القاص لمشاركتهم تجاربهم القصصية على سبيل الذكر "ورشة نادي أدب ببا" بإشراف الأديب شريف سيد صلاح شجاع، وكذلك " نادي القصة في سوهاج"، و "مختبر السرديات بالمنصورة"، وكذلك أسوان "ورشة المصطبة" ومستمرين في تشجيع هذه البؤر الثقافية وتوصيل نشاطهم .

وقد كان هناك نشاطات ملموسة للموقع على أرض الواقع، حيث أعددنا ملفا كبيرا عن الكاتب الكبير "نجيب محفوظ " بعنوان "الأستاذ من جديد" وقد قدم فيه عدد كبير من الكتاب والنقاد دراسات ومقالات ووجهات نظرهم في كتابات نجيب محفوظ، و قد تطوع الأستاذ "أيمن عيد" مشكورا بنشر الكتاب في دار ميتا بوك وقد حقق مقروئية عظيمة.

ثم قومنا بإعداد وطبع كتاب بعنوان "آفاق جديدة للقصة العربية", وهو عبارة عن مختارات من القصص العربية في مختلف البلدان العربية (مصر، السعودية، اليمن، المغرب، العراق، السعودية، ليبيا، الأردن، الكويت، وغيرها) والتي طبعت جميعها في هذا الكتاب .

وفي نهاية الأمر أنني متفائل بهذه التجربة بل أصبحت مؤثرة وبالفعل أصبح هناك حضورا قويا للقصة مرة أخرى وستظل مستمرة جنبا إلى جنب مع الرواية.

في رأيك... هل أثرت الوسائل الحديثة وعالم الرقمنة في طرق تلقي القارئ للنص السردي؟

بالطبع العالم تغير كثيرا بعد التطور التكنولوجي الذي حدث في زمن العشرين سنة الأخيرة بالتحديد، فنحن في عصر الصورة، وهي لها حضور قوي جدا وبذلك فهي تسهل عملية التواصل وانتقال المعرفة والمعلومة وبذلك فرص التطور وتنمية الوعي في الأجيال التي تتعامل مع التكنولوجيا أكبر بكثير مما كان في الأجيال القديمة، فنحن كنا نعاني معاناة قاسية للحصول على كتاب معين إلى جانب قلة الموارد المالية على عكس وقتنا الراهن الذي توفرت فيه أغلب الأعمال بضغطة زر، وبذلك فرص التطور المعرفي أصبحت أقوى والقدرة على التلقي والاستيعاب والخوض في قضايا جديدة ومهمة للعالم أصبحت أسهل وأسرع، بل أصبحنا نشاهد ما يحدث في العالم من وراء الشاشة دون معاناة أو جهد وفي نفس توقيت وقوع الحدث وهذا يعني أنه لم يعد هناك مسافة زمنية ولا مكانية حتى مفهوم التاريخ والزمن بدأ يتغير، وكل هذه معطيات ثقافية جديدة غيرت الوعي وخلق ذائقة جديدة، بل أثارت هذه المعطيات قلق المنظرين في أوروبا حول مستقبل الثقافة؟ والتحولات الجديدة التي ستحدث وهل سيكون هناك فنون جديدة؟ وبالفعل بدأت تظهر فنون جديدة لم نكن نعلم عنها شيئا.

فأنا أوافقك في أن الذائقة تتغير بظهور الوسائل الحديثة بل أن البث نفسه وطرق العرض وأساليب الطرح تتغير وأظن أن هناك نقلات واعدة في المستقبل.

هل هناك قضايا ثقافية ملحة تشغل ذهنك فيما يخص الوسط الثقافي؟

بالطبع هناك العديد من القضايا الملحة في الوسط الثقافي ولابد من الخوض فيها ومنها على سبيل الذكر قضية مستقبل الكتاب الورقي.. هل سيستمر الكتاب الورقي بمكانته رغم تحديات الكتاب الرقمي له الذي أصبح في متناول الجميع أم أن الكتاب الورقي سيستمر كما كان، فالعديد من دور النشر الآن بدأت تتراجع فيما يخص النشر وبدأت في رفع أسعار الطباعة نتيجة تكلفة الطباعة العالية.

فالكتاب الإلكتروني أصبح أسهل وأسرع في انتشاره نظرا لتكلفته البسيطة جدا، وعلى هذا تداوله أصبح أكثر.

وهناك أيضا قضية " الرواية التفاعلية" وهي رواية التي تدمج بين الكتابة والصورة والصوت، فأصبحنا نستطيع أن نقرأ الكتاب ونحن نسمعه وأيضا نراه، أي أننا نتعرض لمؤثرات سمعية وبصرية، والسرد الرقمي في مصر محدود جدا على عكس بلاد أخرى مثل المغرب والأردن حتى أنه أصبح هناك اتحاد كتاب خاص بالكتابة الرقمية أو السرد الرقمي .

والقضية الأخيرة تخص "النقد"، فالنقد مازال حتى الآن _خاصة النقد الأكاديمي_ متكلسا وواقفا عند قضايا قديمة ومرتبط بنظريات قديمة عفى عليها الزمن، وأصبحت مستهلكة، فمازال هناك نقاد يقفون عند البنيوية وعتبات النص وعبارات مستهلكة يقولها كل ناقد على كل عمل، في حين أن النقد لا يلتفت إلى التحولات والقضايا الجديدة ولا ينشغل بكتابات الكتاب الشباب الجدد بقدر اهتمامه بكتاب كبار،

لكن الحقيقة أن من الممكن أن يكون الكاتب الشاب لديه معطيات جديدة تشير إلى المستقبل واللحظة الآنية التي نعيشها وتحولاتها وقضاياها وإشكالياتها الجديدة.

اقرأ أيضا:أسماء الفائزين بمنح التفرغ من المجلس الأعلى للثقافة