الطريق
الإثنين 20 مايو 2024 11:23 مـ 12 ذو القعدة 1445 هـ
جريدة الطريق
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب
رئيس مجلس الإدارةمدحت حسنين بركات رئيس التحريرمحمد رجب

عم صلاح.. حكاية مشجع كفيف في مدرجات الزمالك

«راديو وشاب» وسيلة الرجل الستيني لتشجيع فريقه المعشوق

«الطريق» حققت حلم «مجنون الزمالك» بدخول نادي الزمالك ورئيس النادي منحه العضوية الشرفية

يجوب الملاعب خلف ناديه.. مكالمة من «تيجانا» أعادت له الروح

لم يكن «صلاح» الرجل الستيني، يدري أنه على أعتاب تحقيق حلمه الذى استمر معه طوال عشرين سنة مضت، ولكن الصدفة سمحت له بأن يبتسم للحياة مرة أخرى، مثل الورد الذى يتفتح فى جناين الربيع، وذلك لمقابلته مسؤولى القلعة البيضاء، بميت عقبة، وبالتحديد برئيس نادى الزمالك، ليطلب منه تحقيق أمنيته.

صلاح محمد عبدالغنى، مشجع زملكاوى بسيط نشأ وترعرع بين أسرة زملكاوية حتى النخاع تعيش داخل أحضان منزل متواضع الشكل ولكنه ذو قيمة لكل مشجعى نادى الزمالك، وعندما تترجل تجاه المنزل وبالتحديد إلى الغرف، تجدها مليئة بالصحف والمجلات المتهالكة القديمة جدًا وأيضًا الحديثة التى تحمل الأخبار المتعلقة بالقلعة البيضاء التى لا يعرف قيمتها إلا كل من يعشق روح الفانلة البيضاء، كما أن الجدران لا ترى لونها من كثافة اللوحات البيضاء التى توثق تاريخ الزمالك، هذا المنزل تشعر بأنك متواجد داخل متحف زملكاوى ينتسب لعصر الفراعنة.

«لا أستطيع الإبصار ولكنى أعشق الزمالك وأشجعه بقلبى»، بهذه الكلمات عبر «صلاح» لـ«الطريق» التى تواجدت داخل مسكنه بمنطقة الحوامدية بمحافظة الجيزة، عن حبه الشديد للنادى الملكى، حيث كان «عبدالغنى» حريصا على حضور مباريات الفريق والتواجد فى المدرجات المخصصة للتشجيع، وذلك لمؤازرة وتحفيز لاعبى الزمالك على الانتصار وتحقيق نتائج إيجابية ومرضية لجماهيره.

«راديو وابن شقيقه»، هذه أدوات صلاح المشجع الزملكاوى الكفيف، التى تساعده على استكمال يومه أثناء المباراة بطريقة مرضية وممتعة، حيث إن «أحمد» الشاب العشرينى، ابن شقيق المشجع الكفيف، يساعد عمه فى ارتداء ملابسه لانطلاق رحلتهم بداية من التنقل من المنزل بمنطقة الحوامدية بينما المواصلات بسيطة مثل «ميكروباص- عربات أجرة»، مرورًا بالأكلات الشعبية التى يتناولها الثنائى أثناء اتخاذهما قسطا من الراحة، لاستكمال رحلتهما الشاقة إلى ملعب المباراة، وذلك لعشقهما لنادى الزمالك، كما أن الراديو يستخدمه «عبدالغنى» أثناء تواجده فى مدرجات الجماهير بالاستاد لكى يرى لاعبى الزمالك أثناء نزولهم أرضية الملعب بقلبه ويسمع تعليق المباراة من جهازه الإلكترونى الذى لن تجد مثله هذه الأيام فى حقيبة الأشخاص «عفى عليه الزمن».

منذ سنوات طويلة، كان المشجع الزملكاوى الكفيف يحلم بحصوله على كارنيه عضوية نادى الزمالك، ولكن بسبب ارتفاع قيمة اشتراك الكارنيه النقدية، أصبح امتلاك هذه البطاقة حلما بالنسبة لهذا الرجل البسيط المتواضع ماديًا، لكن كان القدر يخبئ لهذا العجوز ما يفرحه، حيث إنه فى يوم مباراة الزمالك أمام نظيره فريق مصر المقاصة بملعب بتروسبورت، كان يتواجد صلاح عبدالغنى فى مدرجات الملعب الذى كان يحتضن المباراة، كما كانت حماسة وتشجيع المشجع الكفيف يلفتان انتباه الجميع.

حيث إن غرابة الموقف جعلت صحفيا كان متواجدا بجوار «صلاح» فى المدرج، يلفت انتباهه وينجذب إليه رويدًا رويدًا، كما أن تشجيع رجل كفيف فى نهاية العقد الستينى لفريقه فى مدرج ويتابع الأحداث لحظة بلحظة وينفعل معها وكأنه يرى وليس بكفيف، هذا الأمر جعل الصحفى يراقب المشهد من بعيد، كما أن «عم صلاح» مستمر فى تشجيعه وتحفيزه للفريق وهو يضع الراديو على أذنيه لاستماعه لتعليق المباراة، مما أثار دهشة الصحفى حتى قرر أن يقترب من المشجع وحدث بينهما وصلة من التعارف حتى انتهى الأمر بطلب الأخير من الصحفى على استحياء أن يصله لمسؤولى الزمالك، ثم انتهى الرجل العجوز من تشجيع فريقه وانصرف بصحبة ابن شقيقه إلى منزلهما بالحوامدية ومرت الأيام.

وفى الساعات الأخيرة من يوم 11 فبراير الماضى، وبالتحديد فى تمام الساعة الحادية والنصف مساءً بعدما قرر العجوز أن يغلق جفنيه ويذهب إلى النوم، تفاجأ باتصال هاتفى من «تيجانا» الكرة المصرية الكابتن إسماعيل يوسف وهو يحدثه على الهاتف ويطمئن على أخباره وأنهى مكالمته بمطالبة عم صلاح بأن يتوجه إلى مقر النادى الأبيض صباح غد وأن يحضر معه صورة شخصية، حيث لم يستطع الكفيف الصمت أكثر من ذلك فأفصح عن حلمه إلى «تيجانا»، «كابتن إسماعيل أنا نفسى فى كارنيه عضوية نادى الزمالك»، رد تيجانا: «وهو فى صوت كله فرح وضحك ياعم صلاح تعالى بكرة وهات معاك صورة شخصية ومتستعجلش على رزقك».

توجه «صلاح» إلى مقر النادى فى صباح اليوم التالى فى حالة من الفرح والسرور، ويشعر وكأنه فى حلم وإنما الواقع أن أمنيته على أعتاب التحقيق وهى الحصول على كارنيه عضوية نادى الزمالك، ووصل المشجع الزملكاوى إلى مقر النادى وبالتحديد إلى مكتب رئيس النادى، حيث لقى «عبدالغنى» حفاوة فى الاستقبال من قبل مسؤولى القلعة البيضاء.

عندما التقى المشجع الزملكاوى الكفيف برئيس الزمالك لقى حالة من الفرح فى الاستقبال، حيث احتضنه رئيس النادى وعيناه مملوءتان بالدموع متأثرا بالموقف ومدى حب هذا الرجل الكفيف للقلعة البيضاء، حسب قول «صلاح عبدالغنى» الذى روى له المحيطون به الموقف.

وفى اللحظات الأخيرة من الجلسة تحقق حلم صلاح عبدالغنى وحصل على كارنيه العضوية الشرفية، بعدما طالب رئيس النادى من تيجانا وأحمد مرتضى بتلبية كل طلبات المشجع الكفيف، حيث مازحه رئيس النادى وقال له: «قولى ياعم صلاح أنت اتجوزت كام واحدة لحد دلوقتى»، رد «صلاح»: «ولا واحدة لحد دلوقتى»، ليرد عليه رئيس الزمالك «وهو فى وصلة من الضحك سعيًدا بالموقف، خلاص إحنا نجوزك ياعم صلاح».